للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطرفان حينئذ على وتيرة واحدة، وقيل: هو أمر بالتطوع في الساعات الأخيرة للنهار وفيه صرف الأمر عن ظاهره مع أن في كون الساعات الأخيرة للنهار زمن تطوع بالصلاة كلاما لا يخفى على الفقيه.

وقال أبو حيان: الظاهر أن قوله تعالى: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ أمر بالتسبيح مقرونا بالحمد وحينئذ إما أن يراد اللفظ أي قل- سبحان الله والحمد الله- أو يراد المعنى أي نزهه سبحانه عن السوء وأثنى عليه بالجميل.

وفي خبر ذكره ابن عطية «من سبح عند غروب الشمس سبعين تسبيحة غربت بذنوبه»

وقال أبو مسلم: لا يبعد حمل ذلك على التنزيه والإجلال، والمعنى اشتغل بتنزيه الله تعالى في هذه الأوقات وعلى ذلك حمله أيضا العز بن عبد السلام وجعل الباء في قوله سبحانه: بِحَمْدِ رَبِّكَ للآلة، وقال: إن ذلك لتعيين سلب صفات النقص لأن من سلب شيئا فقد أثبت ضده وأضداد صفات النقص صفات الكمال فمن نزهه سبحانه فقد أثبت صفات الكمال، وجوز في إضافة الحمد إلى الرب أن تكون من إضافة المصدر إلى الفاعل أو من إضافة المصدر إلى المفعول أو من إضافة الاختصاص بأن يكون الحمد بمعنى المحامد، ثم استحسن الأول لأن الحمد الحق الكامل حمد الله تعالى نفسه، والمتبادر جعل الباء للملابسة والإضافة من إضافة المصدر إلى المفعول.

واختار الإمام حمل التسبيح على التنزيه من الشرك، وقال: إنه أقرب إلى الظاهر وإلى ما تقدم ذكره لأنه سبحانه صبره أولا على ما يقولون من التكذيب وإظهار الكفر والشرك والذي يليق بذلك أن يؤمر بتنزيهه تعالى عن قولهم: حتى يكون مظهرا لذلك وداعيا إليه. واعترض بأنه لا وجه حينئذ لتخصيص هذه الأوقات بالذكر، وأجيب بأن المراد بذكرها الدلالة على الدوام كما في قوله تعالى: بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ [الأنعام: ٥٢، الكهف: ٢٨] مع أن لبعض الأوقات مزية لأمر لا يعلمه إلا الله تعالى. ورد بأنه يأباه من التبعيضية في قوله سبحانه مِنْ آناءِ اللَّيْلِ على أن هذه الدلالة يكفيها أن يقال: قبل طلوع الشمس وبعده لتناوله الليل والنهار فالزيادة تدل على أن المراد خصوصية الوقت، ولا يخفى أن قوله سبحانه مِنْ آناءِ اللَّيْلِ متعلق بسبح الثاني فليكن الأول للتعميم، والثاني لتخصيص البعض اعتناء به، نعم يرد أن التنزيه عن الشرك لا معنى لتخصيصه إلا إذا أريد به قول: سبحان الله مرادا به التنزيه عن الشرك، وقيل: يجوز أن يكون المراد بالتسبيح ما هو الظاهر منه ويكون المراد من الحمد الصلاة. والظرف متعلق به فتكون حكمة التخصيص ظاهرة كذا في الحواشي الشهابية. وقد عورض ما قاله الإمام بأن الأنسب بالأمر بالصبر الأمر بالصلاة ليكون ذلك إرشادا لما تضمنه قوله تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة: ٤٥] وأيضا الأمر الآتي أوفق بحمل الأمر بالتسبيح على الأمر بالصلاة وقد علمت أن الآثار تقتضي ذلك ثم إنه يجوز أن يراد بالطرف طائفة من الشيء فإنه أحد معانيه كما في الصحاح والقاموس وإذا كان تعريف النهار للجنس على هذا لم يبق الكلام فيما روي عن قتادة كما كان فتدبر.

لَعَلَّكَ تَرْضى قيل: هو متعلق بسبح أي سبح في هذه الأوقات رجاء أن تنال عنده تعالى ما ترضي به نفسك من الثواب. واستدل به على عدم الوجوب على الله تعالى، وجوز أن يكون متعلقا بالأمر بالصبر والأمر بالصلاة، والمراد لَعَلَّكَ تَرْضى في الدنيا بحصول الظفر وانتشار أمر الدعوة ونحو ذلك، وقرأ أبو حيوة وطلحة والكسائي وأبو بكر وأبان وعصمة وأبو عمارة عن حفص وأبو زيد عن المفضل وأبو عبيد ومحمد بن عيسى الأصفهاني «ترضى» على صيغة البناء للمفعول من أرضى أي يرضيك ربك.

وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ أي لا تطل نظرهما بطريق الرغبة والميل إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ من زخارف الدنيا كالبنين.

والأموال والمنازل والملابس والمطاعم أَزْواجاً مِنْهُمْ أي أصنافا من الكفرة وهو مفعول متعنا قدم عليه الجار

<<  <  ج: ص:  >  >>