كالهواء والماء (١) ، وقوله تعالى: وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً إلخ يشهد لما قاله الخليل انتهى، وقيل: هو جسم ذو تركيب وظاهره أنه أعم من الحيوان ومنهم خصه به وقال بعضهم: هو في الأصل مصدر جسد الدم يجسد أي التصق وأطلق على الجسم المركب لأنه ذو أجزاء ملتصق بعضها ببعض، ثم الظاهر أن الذي يقول بتخصيصه بحيث لا يشمل غير العاقل من الحيوان مثلا غاية ما يدعي أن ذلك بحسب أصل وضعه ولا يقول بعدم جواز تعميمه بعد ذلك فلا تغفل، ونصبه إما على أنه مفعول ثان للجعل، والمراد تصييره كذلك ابتداء على طريقة قولهم سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل، وأما حال من الضمير والجعل إبداعي وأفراده لإعادة الجنس الشامل للكثير أو لأنه في الأصل على ما سمعت مصدر وهو يطلق على الواحد المذكر وغيره، وقيل: لإرادة الاستغراق الإفرادي في الضمير أي جعلنا كل واحد منهم وقيل: هو بتقدير مضاف أي ذوي جسد، وفي التسهيل أنه يستغني بتثنية المضاف وجمعه عن تثنية المضاف إليه وجمعه في الإعلام وكذا ما ليس فيه لبس من أسماء الأجناس.
وقوله تعالى لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ صفة جَسَداً أي وما جعلناهم جسدا مستغنيا عن الغذاء بل محتاجا إليه وَما كانُوا خالِدِينَ أي باقين أبدا، وجوّز أن يكون الخلود بمعنى المكث المديد، واختير الأول لأن الجملة مقررة لما قبلها من كون الرسل السالفة عليهم الصلاة والسلام بشرا لا ملائكة كما يقتضيه اعتقاد المشركين الفاسد وزعمهم الكاسد، والظاهر هم يعتقدون أيضا في الملائكة عليهم السلام الأبدية كاعتقاد الفلاسفة فيهم ذلك إلا أنهم يسمونهم عقولا مجردة، وحاصل المعنى جعلناهم أجسادا متغذية صائرة إلى الموت بالآخرة حسب آجالهم ولم نجعلهم ملائكة لا يتغذون ولا يموتون حسبما تزعمون، وقيل: الجملة رد على قوله: مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ [الفرقان: ٧] إلخ والأول أولى، نعم هي مع كونها مقررة لما قبلها فيها رد على ذلك. وفي إيثار وَما كانُوا على وما جعلناهم تنبيه على أن عدم الخلود والبقاء من توابع جبلتهم في هذه النشأة التي أشير إليها بقوله تعالى: وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً إلخ لا بالجعل المستأنف بل إذا نظرت إلى سائر المركبات من العناصر المتضادة رأيت بقاءها سويعة أمرا غريبا وانتهضت إلى طلب العلة لذلك ومن هنا قيل:
ولا تتبع الماضي سؤالك لم مضى ... وعرج على الباقي وسائله لم بقي
بل لا يبعد أن تكون الممكنات مطلقا كذلك فقد قالوا: إن الممكن إذا خلي وذاته يكون معدوما إذا العدم لا يحتاج إلى علة وتأثير بخلاف الوجود ولا يلزم على هذا أن يكون العدم مقتضى الذات حتى يصير ممتنعا إذ مرجع ذلك إلى أولوية العدم وأليقيته بالنسبة إلى الذات، ويشير إلى ذلك ما قيل قول أبي علي في الهيئات الشفاء للمعلول في نفسه أن يكون ليس وله عن علته أن يكون آيسا، وقولهم باستواء طرفي الممكن بالنظر إلى ذاته معناه استواؤه في عدم وجوب واحد منهما بالنظر إلى ذاته، وقولهم علة العدم علة الوجود بمعنى أن العدم لا يحتاج إلى تأثير وجعل بل يكفيه انعدام العلة لا أن عدم العلة مؤثرة في عدم المعلول ولعل في
قوله صلّى الله عليه وسلّم ما شاء الله تعالى كان وما لم يشأ لم يكن
إشارة إلى هذا فتدبر، وقوله تعالى: ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ قيل: عطف على ما يفهم من حكاية وحيه تعالى إلى المرسلين على الاستمرار التجددي كأنه قيل: أوحينا إليهم ما أوحينا ثم صدقناهم الوعد الذي وعدناهم في تضاعيف الوحي بإهلاك أعدائهم، وقيل: على نُوحِي السابق بمعنى أوحينا، وتوسيط الأمر بالسؤال وما معه اهتماما بإلزامهم والرد عليهم وقال الخفاجي: هو عطف على قوله تعالى: أَرْسَلْنا وثم للتراخي الذكري أي أرسلنا رسلا من البشر