به- فهما مفعولان- ومفعول الفعل ليس بآلة لأنها الواسطة بين الفاعل والمفعول في وصول أثره إليه، ولو كان المفعول آلة لكان الفاعل كذلك- وليس فليس- ويكون جمع- آم- اسم فاعل من- أم يؤم- كجائع وجياع، وقائم وقيام، وهو بحسب المفهوم وإن كان شاملا للنبي والخليفة وإمام الصلاة، بل كل من يقتدى به في شيء ولو باطلا كما يشير إليه قوله تعالى: وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [القصص: ٤١] إلا أن المراد به هاهنا النبي المقتدى به، فإن من عداه لكونه مأموم النبي ليست إمامته كإمامته، وهذه الإمامة إما مؤبدة- كما هو مقتضى تعريف الناس- وصيغة اسم الفاعل الدال على الاستمرار ولا يضر مجيء الأنبياء بعده لأنه لم يبعث نبي إلا وكان من ذريته ومأمورا باتباعه في الجملة لا في جميع الأحكام لعدم اتفاق الشرائع التي بعده في الكل، فتكون إمامته باقية بإمامة أولاده التي هي أبعاضه على التناوب، وإما مؤقتة بناء على أن ما نسخ- ولو بعضه- لا يقال له مؤبد وإلا لكانت إمامة كل نبي مؤبدة ولم يشع ذلك فالمراد من «الناس» حينئذ أمته الذين اتبعوه، ولك أن تلتزم القول بتأبيد إمامة كل نبي- ولكن في عقائد التوحيد- وهي لم تنسخ بل لا تنسخ أصلا كما يشير إليه قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [الإنعام: ٩٠] وعدم الشيوع غير مسلم، ولئن سلم لا يضر، والامتنان على إبراهيم عليه السلام بذلك دون غيره لخصوصية اقتضت ذلك لا تكاد تخفى فتدبر.
ثم لا يخفى أن ظاهر الآية يشير إلى أن الابتلاء كان قبل النبوة لأنه تعالى جعل القيام بتلك الكلمات سببا لجعله إماما، وقيل: إنه كان بعدها لأنه يقتضي سابقة الوحي، وأجيب بأن مطلق الوحي لا يستلزم البعثة إلى الخلق وأنت تعلم أن ذبح الولد والهجرة والنار إن كانت من- الكلمات- يشكل الأمر لأن هذه كانت بعد النبوة بلا شبهة، وكذا الختان أيضا بناء على ما روي أنه عليه الصلاة والسلام حين ختن نفسه كان عمره مائة وعشرين فحينئذ يحتاج إلى أن يكون- إتمام الكلمات- سبب الإمامة باعتبار عمومها للناس واستجابة دعائه في حق بعض ذريته، ونقل الرازي عن القاضي أنه على هذا يكون المراد من قوله تعالى: فَأَتَمَّهُنَّ أنه سبحانه وتعالى علم من حاله أنه يتمهن ويقوم بهن بعد النبوة فلا جرم أعطاه خلعة الإمامة والنبوة ولا يخفى أن الفاء يأبى عن الحمل على هذا المعنى.
قالَ استئناف بياني والضمير لإبراهيم عليه السلام وَمِنْ ذُرِّيَّتِي عطف على الكاف يقال سأكرمك فتقول وزيدا وجعله على معنى ماذا يكون مِنْ ذُرِّيَّتِي بعيد. وذهب أبو حيان إلى أنه متعلق بمحذوف أي- اجعل من ذريتي- إماما لأنه عليه السلام فهم من إِنِّي جاعِلُكَ الاختصاص به، واختاره بعضهم واعترضوا على ما تقدم بأن الجار والمجرور لا يصلح مضافا إليه فكيف يعطف عليه وبأن العطف على الضمير كيف يصح بدون إعادة الجار وبأنه كيف يكون المعطوف مقول قائل آخر، ودفع الأولان بأن الإضافة اللفظية في تقدير الانفصال وَمِنْ ذُرِّيَّتِي في معنى بعض ذُرِّيَّتِي فكأنه قال: وجاعل بعض ذُرِّيَّتِي وهو صحيح على أن العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار وإن أباه أكثر النحاة إلا أن المحققين من علماء العربية وأئمة الدين على جوازه حتى قال صاحب العباب: إنه وارد في القراءات السبع المتواترة فمن رد ذلك فقد رد على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، ودفع «الثالث» بأنه من قبيل عطف التلقين فهو خبر في معنى الطلب وكأن أصله واجعل بعض ذُرِّيَّتِي كما قدره المعترض لكنه عدل عنه إلى المنزل لما فيه من البلاغة من حيث جعله من تتمة كلام المتكلم كأنه مستحق مثل المعطوف عليه وجعل نفسه كالنائب عن المتكلم والعدول من صيغة الأمر للمبالغة في الثبوت ومراعاة الأدب في التفادي عن صورة الأمر وفيه من الاختصار الواقع موقعه ما يروق كل ناظر ونظير هذا العطف ما
روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: «اللهم ارحم المحلقين قالوا: