والمقصرين يا رسول الله؟ قال: اللهم ارحم المحلقين قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: والمقصرين» .
وقد ذكر الأصوليون أن التلقين ورد بالواو وغيرها من الحروف وأنه وقع في الاستثناء كما
في الحديث «إن الله تعالى حرم شجر الحرم قالوا إلا الإذخر يا رسول الله»
واعترض أيضا بأن العطف المذكور يستدعي أن تكون إمامة- ذريته- عامة لجميع الناس عموم إمامته عليه السلام على ما قيل. وليس كذلك وأجيب بأنه يكفي في العطف الاشتراك في أصل المعنى، وقيل: يكفي قبولها في حق نبينا عليه الصلاة والسلام- والذرية- نسل الرجل وأصلها الأولاد الصغار ثم عمت الكبار والصغار الواحد وغيره، وقيل: إنها تشمل الآباء لقوله تعالى: أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ [يس: ٤١] يعني نوحا وأبناءه والصحيح خلافه، وفيها ثلاث لغات- ضم الذال وفتحها وكسرها- وبها قرىء وهي إما فعولة من ذروت أو ذريت والأصل ذرووة أو ذروية فاجتمع في الأول واوان زائدة وأصلية فقلبت الأصلية ياء فصارت كالثانية فاجتمعت ياء وواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء فصارت ذرية أو فعلية منهما والأصل في الأولى- ذريوية- فقلبت الواو ياء لما سبق فصارت- ذريية- كالثانية فأدغمت الياء في مثلها فصارت ذرية، أو فعلية من الذرء بمعنى الخلق والأصل ذرئية فقلبت الهمزة ياء وأدغمت، أو فعلية من الذر بمعنى التفريق والأصل ذريرة قلبت الراء الأخيرة ياء هربا من ثقل التكرير كما قالوا في تظننت تظنيت، وفي تقضضت تقضيت، أو فعولة منه والأصل ذرورة فقلبت الراء الأخيرة ياء فجاء الإدغام، أو فعلية منه على صيغة النسبة قالوا: وهو الأظهر لكثرة مجيئها كحرية ودرية، وعدم احتياجها إلى الاعلال وإنما ضمت ذاله لأن الابنية قد تغير في النسبة خاصة كما قالوا في النسبة إلى الدهر: دهري.
قالَ استئناف بياني أيضا، والضمير لله عز اسمه لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ إجابة لما راعى الأدب في طلبه من جعل بعض ذريته نبيا كما جعل مع تعيين جنس البعض الذي أبهم في دعائه عليه السلام بأبلغ وجه وآكده حيث نفى الحكم عن أحد الضدين مع الاشعار إلى دليل نفيه عنه ليكون دليلا على الثبوت للآخر فالمتبادر من العهد الإمامة، وليست هي هنا إلا النبوة. وعبر عنها «به» للإشارة إلى أنها أمانة الله تعالى وعهده الذي لا يقوم به إلا من شاء الله تعالى من عباده، وآثر النيل على الجعل إيماء إلى أن إمامة الأنبياء من ذريته عليهم السلام ليست بجعل مستقل بل هي حاصلة في ضمن إمامته تنال كلّا منهم في وقته المقدر له، ولا يعود من ذلك نقص في رتبة نبوة نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم لأنه جار مجرى التغليب على أن مثل ذلك لو كان يحط من قدرها لما خوطب صلى الله تعالى عليه وسلم بقوله تعالى: أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ [النحل: ١٢٣] والمتبادر من- الظلم- الكفر لأنه الفرد الكامل من أفراده، ويؤيده قوله تعالى: وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة: ٢٥٤] فليس في الآية دلالة على عصمة الأنبياء عليهم السلام من الكبائر قبل البعثة ولا على أن الفاسق لا يصلح للخلافة، نعم فيها قطع أطماع الكفرة الذين كانوا يتمنون النبوة، وسد أبواب آمالهم الفارغة عن نيلها، واستدل بها بعض الشيعة على نفي إمامة الصديق وصاحبيه رضي الله تعالى عنهم حيث أنهم عاشوا مدة مديدة على الشرك وإِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: ١٣] والظالم بنص الآية لا تناله الإمامة، وأجيب بأن غاية ما يلزم أن الظالم في حال الظلم لا تناله، والإمامة إنما نالتهم رضي الله تعالى عنهم في وقت كمال إيمانهم وغاية عدالتهم، واعترض بأن مِنْ تبعيضية فسؤال إبراهيم عليه السلام الإمامة إما للبعض العادل من ذريته مدة عمره أو الظالم حال الامامة سواء كان عادلا في باقي العمر أم لا، أو العادل في البعض الظالم في البعض الآخر أو الأعم، فعلى الأول يلزم عدم مطابقة الجواب، وعلى الثاني جهل الخليل، وحاشاه وعلى الثالث المطلوب وحياه، وعلى الرابع إما المطلوب أو الفساد وأنت خبير بأن مبنى الاستدلال حمل العهد على الأعم من النبوة والإمامة التي