وفي البحر ذكر المفسرون أشياء صدرت عن الوزغ والبغل والخطاف والضفدع والعضرفوط والله تعالى أعلم بذلك، فلما وصل عليه السلام الحظيرة جعلها الله تعالى ببركة قوله عليه السلام روضة، وذلك قوله سبحانه وتعالى:
قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ أي كوني ذات برد وسلام أي ابردي بردا غير ضار، ولذا
قال علي كرّم الله تعالى وجهه فيما أخرجه عند أحمد وغيره: لو لم يقل سبحانه وَسَلاماً لقتله بردها
، وفيه مبالغات جعل النار المسخرة لقدرته تعالى مأسورة مطاوعة وإقامة كوني ذات برد مقام ابردي ثم حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وقيل: نصب سَلاماً بفعله أي وسلمنا سلاما عليه، والجملة عطف على قُلْنا وهو خلاف الظاهر الذي أيدته الآثار. روي أن الملائكة عليهم السلام أخذوا بضبعي ابراهيم عليه السلام فأقعدوه على الأرض فإذا عين ماء عذب وورد أحمر ونرجس ولم تحرق النار إلا وثاقه كما روي عن كعب،
وروي أنه عليه السلام مكث فيها أربعين يوما أو خمسين يوما، وقال عليه السلام: ما كنت أطيب عيشا مني إذ كنت فيها
، قال ابن إسحاق: وبعث الله تعالى ملك الظل في صورة إبراهيم عليه السلام يؤنسه، قالوا: وبعث الله عز وجل جبريل عليه السلام بقميص من حرير الجنة وطنفسة فألبسه القميص وأقعده على الطنفسة وقعد معه يحدثه،
وقال جبريل عليه السلام يا ابراهيم إن ربك يقول: أما علمت أن النار لا تضر أحبابي، ثم أشرف نمروذ ونظر من صرح له فرآه جالسا في روضة والملك قاعد إلى جنبه والنار محيطة به فنادى يا ابراهيم كبير إلهك الذي بلغت قدرته أن حال بينك وبين ما أرى يا ابراهيم هل تستطيع أن تخرج منها؟ قال ابراهيم عليه السلام: نعم قال: هل تخشى إن نمت فيها أن تضرك؟ قال: لا. قال: فقم فاخرج منها فقام عليه السلام يمشي فيها حتى خرج منها فاستقبله نمروذ وعظمه، وقال له: يا ابراهيم من الرجل الذي رأيته معك في صورتك قاعدا إلى جنبك؟ قال: ذلك ملك الظل أرسله إليّ ربي ليؤنسني فيها فقال: يا ابراهيم إني مقرب إلى إلهك قربانا لما رأيت من قدرته وعزته فيما صنع بك حين أبيت إلا عبادته وتوحيده إني ذابح له أربعة آلاف بقرة فقال له ابراهيم عليه السلام: إنه لا يقبل الله تعالى منك ما كنت على دينك حتى تفارقه وترجع إلى ديني فقال: لا أستطيع ترك ملكي ولكن سوف أذبحها له فذبحها وكف عن ابراهيم عليه السلام
. وكان ابراهيم عليه السلام إذ ذاك ابن ست عشرة سنة، وفي بعض الآثار أنهم لما رأوه عليه السلام لم يحترق قالوا: إنه سحر النار فرموا فيها شيخا منهم فاحترق، وفي بعضها أنهم لما رأوه عليه السلام سالما لم يحرق منه غير وثاقه قال هاران أبو لوط عليه السلام: إن النار لا تحرقه لأنه سحرها لكن اجعلوه على شيء وأوقدوا تحته فإن الدخان يقتله فجعلوه فوق تبن وأوقدوا تحته فطارت شرارة إلى لحية هاران فأحرقته، وأخرج عبد بن حميد عن سليمان بن صرد وكان قد أدرك النبي صلّى الله عليه وسلّم أن أبا لوط قال وكان عمه: إن النار لم تحرقه من أجل قرابته مني فأرسل الله تعالى عنقا من النار فأحرقه، والأخبار في هذه القصة كثيرة لكن قال في البحر:
قد أكثر الناس في حكاية ما جرى لإبراهيم عليه السلام، والذي صح هو ما ذكره تعالى من أنه عليه السلام ألقي في النار فجعلها الله تعالى عليه عليه السلام بردا وسلاما.
ثم الظاهر أن الله تعالى هو القائل لها: كُونِي بَرْداً إلخ وأن هناك قولا حقيقة، وقيل القائل جبرائيل عليه السلام بأمره سبحانه، وقيل قول ذلك مجازا عن جعلها باردة، والظاهر أيضا أن الله عز وجل سلبها خاصتها من الحرارة والإحراق وأبقى فيها الإضاءة والإشراق، وقيل إنها انقلبت هواء طيبا وهو على هذه الهيئة من أعظم الخوارق، وقيل كانت على حالها لكنه سبحانه جلت قدرته دفع أذاها كما ترى في السمندر كما يشعر به قوله تعالى: عَلى إِبْراهِيمَ وذلك لأن ما ذكر خلاف المعتاد فيختص بمن خص به ويبقى بالنسبة إلى غيره على الأصل لا نظرا إلى مفهوم القلب إذ الأكثرون على عدم اعتباره. وفي بعض الآثار السابقة ما يؤيده، وأيا ما كان فهو آية عظيمة وقد يقع نظيرها لبعض صلحاء الأمة المحمدية كرامة لهم لمتابعتهم النبي الحبيب صلّى الله عليه وسلّم، وما يشاهد من وقوعه لبعض المنتسبين