للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونقل عن الزجاج أن البصريين لا يجوزون زيادة الواو وأن الجواب عندهم قوله تعالى: يا وَيْلَنا أي القول المقدر قبله فإنه بتقدير قالوا يا ويلنا، ومن جعل الجواب ما تقدم قدر القول هاهنا أيضا وجعله حالا من الموصول يقولون أو قائلين «يا ويلنا» وجوز كون جملة يقولون يا ويلنا استئنافا، وشخوص الأبصار رفع أجفانها إلى فوق من دون أن تطرف وذلك للكفرة يوم القيامة من شدة الهول، وأرادوا من نداء الويل التحسر وكأنهم قالوا: يا ولينا تعال فهذا أوان حضورك قَدْ كُنَّا في الدنيا فِي غَفْلَةٍ تامة مِنْ هذا الذي دهمنا من البعث والرجوع إليه عز وجل للجزاء، وقيل: من هذا اليوم ولم نعلم أنه حق بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ إضراب عن وصف أنفسهم بالغفلة أي لم نكن في غفلة منه حيث نبهنا عليه بالآيات والنذر بل كنا ظالمين بترك الآيات والنذر مكذبين بها أو ظالمين لأنفسنا بتعريضها للعذاب الخالد بالتكذيب.

وقوله تعالى: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ خطاب لكفار مكة وتصريح بمآل أمرهم مع كونه معلوما مما سبق على وجه الإجمال مبالغة في الإنذار وإزاحة الأعذار، فما عبارة عن أصنامهم، والتعبير عنها بما على بابه لأنها على المشهور لما لا يعقل فلا يرد أن عيسى وعزيرا والملائكة عليهم الصلاة والسلام عبدوا من دون الله تعالى مع أن الحكم لا يشملهم

وشاع أن عبد الله بن الزبعري (١) القرشي اعترض بذلك قبل إسلامه على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له عليه الصلاة والسلام: يا غلام ما أجهلك بلغة قومك لأني قلت وَما تَعْبُدُونَ وما لما لم يعقل ولم أقل ومن تعبدون.

وتعقبه ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف بأنه أشهر على ألسنة كثير من علماء العجم وفي كتبهم (٢) وهو لا أصل له ولم يوجد في شيء من كتب الحديث مسندا ولا غير مسند والوضع عليه ظاهر والعجب ممن نقله من المحدثين انتهى، ويشكل على ما قلنا ما

أخرجه أبو داود في ناسخه وابن المنذر وابن مردويه والطبراني عن ابن عباس قال: لما نزل إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ إلخ شق ذلك على أهل مكة وقالوا: أتشتم آلهتنا فقال ابن الزبعري: أنا أخصم لكم محمدا ادعوه لي فدعي عليه الصلاة والسلام فقال: يا محمد هذا شيء لآلهتنا خاصة أم لكل من عبد من دون الله تعالى؟ قال:

بل لكل من عبد من دون الله تعالى فقال ابن الزبعرى: خصمت ورب هذه البنية. يعني الكعبة. ألست تزعم يا محمد أن عيسى عبد صالح وأن عزيرا عبد صالح وأن الملائكة صالحون؟ قال: بلى قال: فهذه النصارى تعبد عيسى وهذه اليهود تعبد عزيرا وهذه بنو مليح (٣) تعبد الملائكة فضج أهل مكة وفرحوا فنزلت إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى

إلخ وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ [الزخرف: ٥٧] إلخ، وجاء في روايات أخر ما يعضده فإن ظاهر ذلك أن ما هنا شامل للعقلاء وغيرهم. وأجيب بأن الشمول للعقلاء الذي ادعاه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان بطريق دلالة النص بجامع الشركة في المعبودية من دون الله تعالى فلما أشار صلّى الله عليه وسلّم إلى عموم الآية بطريق الدلالة اعترض ابن الزبعري بما اعترض وتوهم أنه قد بلغ الغرض فتولى الله تعالى الجواب بنفسه بقوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى الآية، وحاصله تخصيص العموم المفهوم من دلالة النص بما سوى الصلحاء الذين سبقت لهم الحسنى فيبقى الشياطين الذين عبدوا من دون الله سبحانه داخلين في الحكم بحكم دلالة النص فيفيد النص بعد هذا التخصيص عبارة ودلالة حكم الأصنام والشياطين ويندفع الاعتراض، وقال بعضهم: إن ما تعم العقلاء وغيرهم وهو


(١) أي سيء الخلق اهـ منه.
(٢) كشرح المواقف وغيره مما لا يحصى اهـ منه.
(٣) بالتصغير بطن من خزاعة اهـ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>