وقيل هو أبلغ في القرب من قرب الْوَعْدُ الْحَقُّ وهو ما بعد النفخة الثانية من البعث والحساب والجزاء لا النفخة الأولى، والجملة عطف على فُتِحَتْ يَأْجُوجُ ثم إن هذا الفتح في زمن نزول عيسى عليه السلام من السماء وبعد قتله الدجال عند باب لد الشرقي،
فقد أخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث طويل «إن الله تعالى يوحي إلى عيسى عليه السلام بعد أن يقتل الدجال إني قد أخرجت عبادا من عبادي لا يدان لك بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور فيبعث الله تعالى يأجوج ومأجوج وهم كما قال الله تعالى مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فيرغب عيسى عليه السلام وأصحابه إلى الله عز وجل فيرسل عليهم نغفا في رقابهم فيصبحون موتى كموت نفس واحدة فيهبط عيسى عليه السلام وأصحابه فيرسل عليهم طيرا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله تعالى ويرسل الله عز وجل مطرا لا يكن منه نبت مدر ولا وبر أربعين يوما فيغسل الأرض حتى يتركها زلفة ويقال للأرض انبتي ثمرتك فيومئذ يأكل النفر من الرماية ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس واللقحة من البقر تكفي الفخذ والشاة من الغنم تكفي البيت فبينما هم على ذلك إذ بعث الله تعالى ريحا طيبة تحت آباطهم فتقبض روح كل مسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر وعليهم تقوم الساعة»
وجاء من حديث رواه أحمد وجماعة «إن الساعة بعد أن يهلك يأجوج ومأجوج كالحامل المتم لا يدري أهلها حتى تفجأهم بولادها ليلا أو نهارا»
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: ذكر لنا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لو نتجت فرس عند خروجهم ما ركب فلوها حتى تقوم الساعة»
وهذا مبالغة في القرب كالخبر الذي قبله.
فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا جواب الشرط، وإذا للمفاجأة وهي تسد مسد الفاء الجزائية في الربط وليست عوضا عنها فمتى كانت الجملة الاسمية الواقعة جزاء مقترنة بها لم تحتج إلى الفاء نحو إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ [الروم: ٣٦] وإذا جيء بهما معا كما هنا يتقوى الربط، والضمير للقصة هو الشأن هو مبتدأ وشاخِصَةٌ خبر مقدم وأَبْصارُ مبتدأ مؤخر، والجملة خبر الضمير، ولا يجوز أن يكون شاخِصَةٌ الخبر وأَبْصارُ مرفوعا به لأن خبر الضمير الشأن لا يكون إلا جملة مصرحا بجزأيها، وأجاز بعض الكوفيين كونه مفردا فيجوز ما ذكر عنده.
وعن الفراء أن هِيَ ضمير الأبصار فهو ضمير مبهم يفسره ما في حيز خبره وعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة في مثل ذلك جائز عند ابن مالك. وغيره كما في ضمير الشأن، ومن ذلك قوله:
هو الجد حتى تفضل العين أختها بل نقل عن الفراء أنه متى دل الكلام على المرجع وذكر بعده ما يفسره وإن لم يكن في حيز خبره لا يضر تقدمه، وأنشد قوله:
فلا وأبيها لا تقول خليلتي ... ألا فرّ عني مالك بن أبي كعب
ونقل عنه أيضا أن هِيَ ضمير فصل وعماد يصلح موضعه هو وأنشد قوله:
بثوب ودينار وشاة ودرهم ... فهل هو مرفوع بما هاهنا رأس
وهذا لا يتمشى إلا على أحد قولي الكسائي من إجازته تقديم الفصل مع الخبر على المبتدأ وقول من أجاز كونه قبل خبر نكرة، وذكر الثعلبي أن الكلام قد تم عند قوله تعالى: فَإِذا هِيَ أي فإذا هي أي الساعة حاصلة أو بارزة أو واقعة ثم ابتدئ فقيل «شاخصة أبصار الذين كفروا» وهو وجه متكلف متنافر التركيب، وقيل: جواب الشرط اقْتَرَبَ والواو سيف خطيب. ونقل ذلك في مجمع البيان عن الفراء.