للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاجتماع في هاتيك البقاع فرارا من شائبة التأكيد كما لا يخفى على ذكر فكر سديد فتأمل هديت إلى صراط الحميد.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وعيد لصنف من الكفرة، وحسن عطف المضارع على الماضي لما أنه لم يرد بالمضارع حال أو استقبال كما في قولهم: فلان يحسن إلى الفقراء فإن المراد به استمرار وجود الإحسان، وقيل يَصُدُّونَ بمعنى صدوا إلا أنه عبر بالمضارع استحضارا للصورة الماضية تهويلا لأمر الصد، وقيل لا عطف بل الجملة خبر مبتدأ محذوف والمجموع في موضع الحال من فاعل كَفَرُوا أي وهم يصدون، وجوز أن تكون الجملة حالا من غير تقدير مبتدأ لشبهها بالجملة الاسمية معنى وخبر إن محذوف للدلالة آخر الآية الكريمة عليه أي نذيقهم من عذاب أليم، وقدره الزمخشري بعد الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وتعقبه أبو حيان بأنه لا يصح لما فيه من الفصل بين الصفة وهو الْمَسْجِدِ والموصوف وهو الَّذِي.

وأجيب باحتمال أنه جعل الَّذِي نعتا مقطوعا، وقدره ابن عطية بعد وَالْبادِ هو أولى إلا أنه قدر خسروا أو هلكوا وتقدير نذيقهم إلخ أولى منه، وقيل الواو في وَيَصُدُّونَ زائدة والجملة بعده خبر إن.

وتعقبه ابن عطية بأنه مفسد للمعنى المراد وغيره بأن البصريين لا يجيزون زيادة الواو والقول بجواز زيادتها قول كوفي مرغوب عنه، والظاهر أن الْمَسْجِدِ عطف على سَبِيلِ وجوز أن يكون معطوفا على الاسم الجليل، والآية على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نزلت في أبي سفيان بن حرب وأصحابه حين صدوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم عام الحديبية عن المسجد الحرام فكره عليه الصلاة والسلام أن يقاتلهم وكان محرما بعمرة ثم صالحوه على أن يعود في العام القابل، والمراد بالمسجد الحرام مكة وعبر به عنها لأنه المقصود المهم منها، ويدل على ذلك قوله تعالى: الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ أي كائنا من كان من غير فرق بين مكي وآفاقي سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ أي المقيم فيه والطارئ فإن الإقامة لا تكون في المسجد نفسه بل في منازل مكة وفي وصفه بذلك زيادة التشنيع على الصادين عنه، وقد استشهد بعض الأئمة بالآية على عدم جواز بيع دور مكة وإجارتها وإلا لما استوى العاكف فيها والباد، وقد ورد التصريح بذلك في بعض الأحاديث الصحيحة،

فروي من عدة طرق أنه عليه الصلاة والسلام قال: «مكة حرمها الله تعالى لا يحل بيع رباعها ولا إجارة بيوتها»

وذكر ابن سابط أن دور أهل مكة كانت بغير أبواب حتى كثرة السرقة فاتخذ رجل بابا فأنكر عليه عمر رضي الله تعالى عنه قال: أتغلق بابا في وجه حاج بيت الله تعالى؟ فقال: إنما أردت حفظ متاعهم من السرقة فتركه فاتخذ الناس الأبواب، وأخرج ابن ماجه وابن أبي شيبة عن علقمة بن نضلة قال: توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وما تدعى رباع مكة إلا السوائب من احتاج سكن ومن استغنى أسكن، وقال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: من أكل كراء بيوت مكة فإنما أكل نارا في بطنه لأن الناس في الانتفاع بها سواء، وجاء صدره من رواية الدارقطني مرفوعا وفي النهاية لا بأس ببيع بناء مكة ويكره بيع أرضها وهذا عند أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وقال: لا بأس ببيع أرضها وهو رواية عنه أيضا وهو مذهب الشافعي عليه الرحمة وعليه الفتوى. وفي تنوير الأبصار وشرحه الدر المختار وجاز بيع بناء بيوت مكة وأرضها بلا كراهة وبه قال الشافعي وبه يفتي عيني. وفي البرهان في باب العشر ولا يكره بيع أرضها كبنائها وبه يعمل. وفي مختارات النوازل لصاحب الهداية لا بأس ببيع بنائها وإجارتها لكن في الزيلعي وغيره يكره إجارتها، وفي آخر الفصل الخامس من التتار خانية وإجارة الوهبانية قال أبو حنيفة: أكره إجارة بيوت مكة في أيام الموسم وكان يفتي لهم أن

<<  <  ج: ص:  >  >>