للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينزلوا عليهم في دورهم لقوله تعالى: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ ورخص فيها في غير أيام الموسم انتهى فليحفظ، قلت: وبهذا يظهر الفرق والتوفيق انتهى.

والذي يفهم من غاية البيان أن القول بكراهة إجازة بيوتها أيام الموسم مما لم ينفرد به الإمام بل وافقه عليه صاحباه حيث نقل عن تقريب الإمام الكرخي ما نصه وروى هشام عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أنه كره إجارة بيوت مكة في الموسم ورخص في غيره، وكذا قال أبو يوسف، وقال هشام: أخبرني محمد عن أبي حنيفة أنه يكره كراء بيوت مكة في الموسم ويقول لهم أن ينزلوا عليهم في دورهم إن كان فيها فضل وإن لم يكن فلا وهو قول محمد انتهى.

والذي تحرر مما رأيناه من أكثر معتبرات كتب ساداتنا الحنفية أن جواز بيع بناء البيوت متفق عليه لأنه ملك لمن بناه كمن بنى في أرض الوقف بإذن المتولي، ولا يقال: إنه بناء غاصب كمن بنى بيتا في جامع لظهور الإذن هنا دونه ثمة، وكذا كراهة الإجارة في أيام الموسم وأما بيع الأرض فعند الإمامين جائز بلا كراهة قولا واحدا وعن الإمام روايتان الجواز وعدمه والمفتي به الجواز، ومستند من يجوز من الكتاب الجليل هذه الآية. وأجاب أصحاب الشافعي عنها أن المسجد الحرام في المطاف والعاكف في المعتكف للعبادة المعدود من أهل المسجد لملازمته له أظهر، وكذلك المساواة في أنه من شعائر الله تعالى المنصوبة لكل عاكف وباد أوضح وهو المقابل للموصوف بالصد عن سبيل الله تعالى والمسجد الحرام خاصة فما كانوا يصدون عن مكة ولا أن الصد عنها لغير مريد النسك معصية وأي مدخل لحديث التمليك وعدمه في هذا المساق.

والاستدراك بأن له مدخلا على سبيل الإدماج وإشارة النص كلام لا طائل تحته، وقد فسر سَواءً بما فسر كذا في الكشف، وقد جرت مناظرة بمكة بين الشافعي وإسحاق بن راهويه الحنظلي وكان إسحاق لا يرخص في كراء دور مكة فاحتج الشافعي بقوله تعالى: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ [الحج: ٤] فأضيفت الديار إلى مالكيها

وبقوله صلّى الله عليه وسلّم يوم فتح مكة «من أغلق بابه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن»

وبأنه قد اشترى عمر رضي الله تعالى عنه دار السجن أترى أنه اشترى من مالكيها أو غير مالكيها قال إسحاق: فلما علمت أن الحجة قد لزمتني تركت قولي، وأجاب بعضهم أن الإضافة إلى مالكي منفعة السكنى وأن عمر رضي الله تعالى عنه اشترى البناء دون الأرض وأرضى بالثمن من أنفق مالا فيه لحاجة العامة وللإمام من ذلك ما ليس لغيره. وتعقب بأن الاستدلال بالظاهر والعدول عن الظاهر دون سند أقوى غير ملتفت إليه، ولذا قال ابن راهويه: وهو أحد أركان المسلمين وعلم من أعلام الدين ما قال.

والظاهر أن الأخبار المصرحة بتحريم البيع والإجارة لم تصح عند الشافعي رضي الله تعالى عنه، وعند من قال بمثل قوله ونصب سَواءً على أنه مفعول ثان لجعلنا، والأول الضمير الغائب المتصل والْعاكِفُ مرتفع به لأنه بمعنى مستو وإن كان في الأصل مصدرا، ومن كلامهم مررت برجل سواء هو والعدم، واللام ظرف لما عنده.

وجوز أن يكون لِلنَّاسِ في موضع المفعول الثاني أي جعلناه مباحا للناس أو معبدا لهم وسَواءً حالا من الهاء وكذا يكون حالا إذا لم يعد الجعل إلى مفعولين.

وقرأ الجمهور «سواء» بالرفع على أنه خبر «والعاكف» مبتدأ، وضعف العكس لما فيه من الأخبار بالمعرفة عن النكرة، والجملة في موضع المفعول الثاني أو الحال، وجوز أن تكون تفسيرية لجعله للناس وقرأت فرقة منهم الأعمش في رواية القطعي «سواء» بالنصب «العاكف» فيه بالجر، ووجه النصب ما تقدم، ووجه جر «العاكف» أنه بدل تفصيل

<<  <  ج: ص:  >  >>