كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فسمعه أهل السماء والأرض ألا ترى أنهم يجيبون من أقصى البلاد يلبون»
وجاء في رواية أخرى عنه أنه عليه السلام صعد أبا قبيس فوضع أصبعيه في أذنيه ثم نادى يا أيها الناس إن الله تعالى كتب عليكم الحج فأجيبوا ربكم فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال وأرحام النساء، وأول من أجاب أهل اليمن فليس حاج بحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة إلا من أجاب يومئذ إبراهيم عليه السلام، وفي رواية أنه قام على الحجر فنادى، وعن مجاهد أنه عليه السلام قام على الصفا، وفي رواية أخرى عنه أنه عليه السلام تطاول به المقام حتى كان كأطول جبل في الأرض فأذن بالحج
، ويمكن الجمع بتكرر النداء، وأيا ما كان فالخطاب لإبراهيم عليه السلام. وزعم بعضهم أنه لنبينا صلّى الله عليه وسلّم أمر بذلك في حجة الوداع وروي ذلك عن الحسن وهو خلاف الظاهر جدا ولا قرينة عليه، وقيل: يأباه كون السورة مكية وقد علمت ما فيه أولها.
وقرأ الحسن وابن محيصن و «آذن» بالمد والتخفيف أي أعلم كما قال البعض، وقال آخرون: المراد به هنا أوقع الإيذان لأنه على الأول كان ينبغي أن يتعدى بنفسه لا بفي فهو كقوله: «يجرح في عراقيبها نصلي» .
وقال ابن عطية: قد تصحفت هذه القراءة على ابن جني فإنه حكي عنهما «وآذن» فعلا ماضيا وجعله معطوفا على بَوَّأْنا وتعقبه أبو حيان بأنه ليس بتصحيف بل قد حكى ذلك أبو عبد الله الحسين بن خالويه في شواذ القراءات من جمعه، وقرأ ابن أبي إسحاق «بالحج» بكسر الحاء حيث وقع، وقوله تعالى: يَأْتُوكَ جزم في جواب الأمر وهو أَذِّنْ على القراءتين وطَهِّرْ على الثالثة كما قال صاحب اللوامح: وإيقاع الإتيان على ضميره عليه السلام لكون ذلك بندائه، والمراد يأتوا بيتك، وقوله سبحانه: رِجالًا في موضع الحال أي مشاة جمع راجل كقيام جمع قائم.
وقرأ ابن أبي إسحاق «رجالا» بضم الراء والتخفيف وروي ذلك عن عكرمة والحسن وأبي مجلز، وهو اسم جمع لراجل كطؤار لطائر أو هو جمع نادر، وروي عن هؤلاء وابن عباس ومحمد بن جعفر ومجاهد رضي الله تعالى عنهم «رجالا» بالضم والتشديد على أنه جمع راجل كتاجر وتجار، وعن عكرمة أنه قرأ «رجالى» كسكارى وهو جمع رجلان أو راجل، وعن ابن عباس وعطاء وابن حدير مثل ذلك إلا أنهم شددوا الجيم. وقوله تعالى: وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ عطف على رِجالًا أي وركبانا على كل بعير مهزول أتعبه بعد الشقة فهزله أو زاد هزاله، والضامر يطلق على المذكر والمؤنث، وعدل عن ركبانا الأخضر للدلالة على كثرة الآتين من الأماكن البعيدة.
وفي الآية دليل على جواز المشي والركوب في الحج، قال ابن العربي: واستدل علماؤنا بتقديم رِجالًا على أن المشي أفضل، وروي ذلك عن ابن عباس فقد أخرج ابن سعد وابن أبي شيبة والبيهقي وجماعة أنه قال: ما آسى على شيء فاتني إلا أني لم أحج ماشيا حتى أدركني الكبر أسمع الله تعالى يقول: يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ فبدأ بالرجال قبل الركبان، وفي ذلك
حديث مرفوع فقد أخرج ابن سعد وابن مردويه وغيرهما عنه أنه قال: «سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول إن للحاج الراكب بكل خطوة تخطوها راحلته سبعين حسنة وللماشي بكل قدم سبعمائة حسنة من حسنات الحرم قيل: يا رسول الله وما حسنات الحرم؟ قال: الحسنة مائة ألف حسنة»
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد أن ابراهيم وإسماعيل عليهما السلام حجّا وهما ماشيان.
وقال ابن الفرس: واستدل بعضهم بالآية على أنه لا يجب الحج على من في طريقه بحر ولا طريق له سواه لكونه لم يذكر في الآية. وتعقب بأنه استدلال ضعيف لأن مكة ليست على بحر وإنما يتوصل إليها على إحدى الحالين مشي