للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو ركوب، وأيضا في دلالة عدم الذكر على عدم الوجوب نظر، وقوله تعالى: يَأْتِينَ صفة لضامر أو لكل، والجمع باعتبار المعنى كأنه قيل وركبانا على ضوامر يأتين، وكُلِّ هنا للتكثير لا للإحاطة وما قيل من أنها إذا أضيفت لنكرة لم يراع معناها إلا قليلا ردوه بهذه الآية ونظائرها، وكذا ما قيل إنه يجوز إذا كانا في جملتين لأن هذه جملة واحدة.

وجوز أبو حيان أن يكون الضمير شاملا لرجال وكُلِّ ضامِرٍ والجملة صفة لذلك على معنى الجماعات والرفاق. وتعقب بأنه يلزمه تغليب غير العقلاء عليهم وقد صرحوا بمنعه. نعم قرأ عبيد الله وأصحابه والضحاك وابن أبي عبلة «يأتون» واعتبار التغليب فيه على بابه، والمشهور جعل الضمير لرجالا وركبانا فلا تغليب، وجوز جعل الضمير للناس والجملة استئنافية مِنْ كُلِّ فَجٍّ أي طريق كما روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وأبي العالية وهو في الأصل شقة يكتنفها جبلان ويستعمل في الطريق الواسع وكأنهم جردوه عن معنى السعة لأنه لا يناسب هنا بل لا يخلو من خلل عَمِيقٍ أي بعيد وبه فسره الجماعة أيضا، وأصله البعيد سفلا وهو غير مناسب هنا.

وقرأ ابن مسعود «معيق» قال الليث: يقال عميق معيق لتميم وأعمقت البئر وأمعقتها وقد عمقت ومعقت عماقة ومعاقة وهي بعيدة العمق والمعق لِيَشْهَدُوا متعلق بيأتوك، وجوز أبو البقاء تعلقه. بأذن. أي ليحضروا مَنافِعَ عظيمة الخطر كثيرة العدد فتنكيرها وإن لم يكن فيها تنوين للتعظيم والتكثير. ويجوز أن يكون للتنويع أي نوعا من المنافع الدينية والدنيوية، وتعميم المنافع بحيث تشمل النوعين مما ذهب إليه جمع وروي ذلك عن ابن عباس، فقد أخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال في الآية: منافع في الدنيا ومنافع في الآخرة فأما منافع الآخرة فرضوان الله تعالى وأما منافع الدنيا فما يصيبون من لحوم البدن في ذلك اليوم والذبائح والتجارات، وخص مجاهد منافع الدنيا بالتجارة فهي جائزة للحاج من غير كراهة إذا لم تكن هي المقصودة من السفر، واعترض بأن نداءهم ودعوتهم لذلك مستبعد، وفيه نظر، على أنه إنما يتأتى على ما جوزه أبو البقاء، وعن الباقر رضي الله تعالى عنه تخصيص المنافع بالأخروية، وفي رواية عن ابن عباس تخصيصها بالدنيوية والتعميم أولى لَهُمْ في موضع الصفة لمنافع أي منافع كائنة لهم وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عند النحر فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ أي مخصوصات وهي أيام النحر كما ذهب إليه جماعة منهم أبو يوسف ومحمد عليهما الرحمة وعدتها ثلاثة أيام يوم العيد ويومان بعده عندنا وعند الثوري وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب لما روي عن عمر وعلي وابن عمر وابن عباس. وأنس وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم أنهم قالوا: أيام النحر ثلاثة أفضلها أولها، وقد قالوه سماعا لأن الرأي لا يهتدي إلى المقادير، وفي الأخبار التي يعول عليها تعارض فأخذنا بالمتيقن وهو الأقل، وقال الشافعي والحسن وعطاء: أربعة أيام يوم العيد وثلاثة بعده

لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «أيام التشريق كلها أيام ذبح»

وعند النخعي وقت النحر يومان، وعند ابن سيرين يوم واحد، وعند أبي سلمة وسليمان بن يسار الأضحى إلى هلال المحرم ولم نجد في ذلك مستندا يعول عليه. واستدل بذكر الأيام على أن الذبح لا يجوز ليلا، قال أبو حيان:

وهو مذهب مالك وأصحاب الرأي انتهى. والمذكور في كتب الأصحاب أنه يجوز الذبح إلا أنه يكره لاحتمال الغلط في ظلمة الليل.

وأما الاستدلال على عدم الجواز بذكر الأيام فكما ترى، وقيل الأيام المعلومات عشر ذي الحجة وإليه ذهب أبو حنيفة عليه الرحمة وروي عن ابن عباس والحسن وإبراهيم وقتادة ولعل المراد بذكر اسمه تعالى على هذا ما قيل حمده وشكره عز وجل وعلى الأول قول الذابح: بسم الله والله أكبر على ما روي عن قتادة، وذكر أنه يقال مع ذلك:

اللهم منك ولك عن فلان، وسيأتي إن شاء الله تعالى قول آخر. ورجح كونه بمعنى الشكر بأنه أوفق بقوله تعالى: عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>