ولا يجوز أن تتعلق بملومين المذكور بعد لما قال أبو البقاء من أن ما بعد أن لا يعمل فيما قبلها وأن المضاف إليه لا يعمل فيما قبله، والمراد مما ملكت أيمانهم السريات، والتخصيص ذلك للإجماع على عدم حل وطء المملوك الذكر، والتعبير عنهن- بما- على القول باختصاصها بغير العقلاء لأنهن يشبهن السلع بيعا وشراء أو لأنهن لأنوثتهن المنبئة عن قلة عقولهن جاريات مجرى العقلاء، وهذا ظاهر فيما إذا كن من الجركس أو الروم أو نحوهم فكيف إذا كن من الزنج والحبش وسائر السودان فلعمري إنهن حينئذ إن لم يكن من نوع البهائم فما نوع البهائم منهن ببعيد، والآية خاصة بالرجال فإن التسري للنساء لا يجوز بالإجماع، وعن قتادة (١) قال تسرت امرأة غلاما فذكرت لعمر رضي الله تعالى عنه فسألها ما حملك على هذا؟ فقالت: كنت أرى أنه يحل لي ما يحل للرجال من ملك اليمين فاستشار عمر فيها أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: تأولت كتاب الله تعالى على غير تأويله فقال رضي الله تعالى عنه: لا جرم لا أحلك لحر بعده أبدا كأنه عاقبها بذلك ودرأ الحد عنها وأمر العبد أن لا يقربها، ولو كانت المرأة متزوجة بعبد فملكته فأعتقته حالة الملك انفسخ النكاح عند فقهاء الأمصار.
وقال النخعي والشعبي وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة: يبقيان على نكاحهما فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ تعليل لما يفيده الاستثناء من عدم حفظ فروجهم من المذكورات أي فإنهم غير ملومين على ترك حفظها منهن.
وقيل الفاء في جواب شرط مقدر أي فإن بذلوا فروجهم لأزواجهم أو إمائهم فإنهم غير ملومين على ذلك، والمراد بيان جنس ما يحل وطؤه في الجملة وإلا فقد قالوا: يحرم وطء الحائض والأمة إذا زوجت والمظاهر منها حتى يكفر وهذا مجمع عليه.
وفي الجمع بين الأختين من ملك اليمين وبين المملوكة وعمتها أو خالتها خلاف على ما في البحر،
وذكر الآمدي في الأحكام أن عليا كرّم الله تعالى وجهه احتج على جواز الجمع بين الأختين في الملك بقوله تعالى: أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ
فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ أي المذكور من الحد المتسع وهو أربع من الحرائر وما شاء من الإماء، وانتصاب وَراءَ على أنه مفعول ابْتَغى أي خلاف ذلك وهو الذي ذهب إليه أبو حيان، وقال بعض المحققين:
إن وَراءَ ظرف لا يصلح أن يكون مفعولا به وإنما هو ساد مسد المفعول به، ولذا قال الزمخشري: أي فمن أحدث ابتغاء وراء ذلك فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ الكاملون في العدوان المتناهون فيه كما يشير إليه الإشارة والتعريف وتوسيط الضمير المفيد لجعلهم جنس العادين أو جميعهم، وفي الآية رعاية لفظ (من) ومعناها ويدخل فيما وراء ذلك الزنا واللواط ومواقعة البهائم وهذا مما لا خلاف فيه.
واختلف في وطء جارية أبيح له وطؤها فقال الجمهور: هو داخل فيما وراء ذلك أيضا فيحرم وهو قول الحسن وابن سيرين وروي ذلك عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، فقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد الرزاق عنه أنه سئل عن امرأة أحلت جاريتها لزوجها فقال: لا يحل لك أن تطأ فرجا أي غير فرج زوجتك إلا فرجا إن شئت بعت وإن شئت وهبت وإن شئت أعتقت، وعن ابن عباس أنه غير داخل فلا يحرم، فقد أخرج عبد الرزاق عنه رضي الله تعالى عنه قال: إذا أحلت امرأة الرجل أو ابنته أو أخته له جاريتها فليصبها وهي لها وهو قول طاوس، أخرج عنه عبد الرزاق أيضا أنه قال: هو أحل من الطعام فإن ولدت فولدها للذي أحلت، وهي لسيدها الأول، وأخرج عن عطاء أنه قال: كان يفعل ذلك يحل الرجل وليدته لغلامه وابنه وأخيه وأبيه والمرأة لزوجها وقد بلغني أن الرجل يرسل وليدته لصديقه وإلى هذا ذهبت