الشيعة، والآية ظاهرة في هذه لظهور أن المعارة للجماع ليست بزوجة ولا مملوكة وكذا قوله تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [النساء: ٣] فإن السكوت في معرض البيان يفيد الحصر خصوصا إذا كان المقام مقتضيا لذكر جميع ما لا يجب العدل فيه، وفي عدم وجوب العدل تكون العارية أقدم من الكل إذ لا يجب فيها ألا تحمل منة مالك الفرج فقط وكذا قوله سبحانه: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ. إلى قوله تعالى: ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ [النساء: ٢٥] فإنه لو جازت العارية لما كان خوف العنت والحاجة إلى نكاح الإماء وإلى الصبر على ترك نكاحهن متحققا، ونحوه قوله سبحانه:
وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور: ٣٣] فإنه لو كانت العارية جائزة لم يؤمر الذين لا يجدون نكاحا بالاستعفاف، ولعل الرواية السابقة عن ابن عباس غير صحيحة، وكذا اختلف في المتعة فذهبت الشيعة أيضا إلى جوازها، ويرد عليهم بما ذكرنا من الآيات الظاهرة في تحريم العارية، وأخرج عبد الرزاق وأبو داود في ناسخه عن القاسم بن محمد أنه سئل عن المتعة فقال: هي محرمة في كتاب الله تعالى وتلا: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ الآية وقرر وجه دلالة الآية على ذلك أن المستمتع بها ليست ملك اليمين ولا زوجة فوجب أن لا تحل له أما أنها ليست ملك اليمين فظاهر وأما أنها ليست زوجة له فلأنهما لا يتوارثان بالإجماع ولو كانت زوجة لحصل التوارث لقوله تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ [النساء: ١٢] وتعقبه في الكشف بأن لهم أن يقولوا: إنها زوجة يكشف الموت عن بينونتها قبيله كما أنها تبين بانقضاء الأجل قضاء لحق التعليق والتأجيل، وحاصله منع استفسار في الملازمة إن أريد لو كانت زوجة حال الحياة لم يفد وإن أريد بعد الموت فالملازمة ممنوعة فإن قيل: لا تبين بالموت كالنكاح المؤبد، أجيب بأنه قياس في عين ما افترق النكاحان به وهو فاسد بالإجماع.
وتعقب هذا شيخ الإسلام لخفاء معناه عليه بأنه ليس للترديد معنى محصل ولو قيل: إن أريد لو كانت زوجة حال الحياة فالملازمة ممنوعة وإن أريد بعد الموت لم يفد لكان له وجه، وقال هو في رد الاستدلال لهم أن يقولوا إنها زوجة له في الجملة وأما إن كل زوجة ترث فهم لا يسلمونه، وقال بعضهم: الحق أن الآية دليل على الشيعة فإن ظاهر كلامهم أنها ليست بزوجة أصلا حيث ينفون عنها لوازم الزوجية بالكلية من العدة والطلاق والإيلاء والظهار وحصول الإحصان وإمكان اللعان والنفقة والكسوة والتوارث ويقولون بجواز جمع ما شاء بالمتعة ولا شك أن نفي اللازم دليل نفي الملزوم. وتعقب بأن هذا حق لو سلم أنهم ينفون اللوازم كلها لكنه لا يسلم، ونفي بعض اللوازم لا يكفي في الرد عليهم إذا قالوا: إن الزوجية قسمان كاملة وغير كاملة إذ بنفي ذلك البعض إنما ينتفي القسم الأول وهو لا يضرهم، وقيل: الذي يقتضيه الإنصاف أن الآية ظاهرة في تحريم المتعة فإن المستمتع بها لا يقال لها زوجة في العرف ولا يقصد منها ما هو السر في مشروعية النكاح من التوالد والتناسل لبقاء النوع بل مجرد قضاء الوطر وتسكين دغدغة المني ونحو ذلك، وزعم أنه يتم الاستدلال بالآية بهذا الطرز على التحريم سواء نفيت اللوازم أم لم تنف كما هو مذهب بعض القائلين بالحل كما سنشير إليه إن شاء الله تعالى.
ولعل الأقرب إلى الإنصاف أن يقال: متى قيل بنفي اللوازم من حصول الإحصان حرمة الزيادة على الأربع ونحو ذلك كانت الآية دليلا على الحرمة لأن المتبادر من الزوجية فيها الزوجية التي يلزمها مثل ذلك وهو كاف في الاستدلال على مثل هذا المطلب الفرعي، ومتى لم يقل بنفي اللوازم ولم يفرق بينها وبين النكاح المؤبد إلا بالتوقيت وعدمه لم تكن الآية دليلا على التحريم، هذا ولي هاهنا بحث لم أر من تعرض له وهو أنه قد ذكر في الصحيحين أن النبي صلّى الله عليه وسلّم حرم المتعة يوم خيبر، وفي صحيح مسلم أنه عليه الصلاة والسلام حرمها يوم الفتح، ووافق ابن الهمام بأنها