للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتف لكونه على وزنه فخفف بسكون وسطه لجعله ككلمة واحدة كما خفف يلدا في قوله: «وذي ولد لم يلده أبوان» وعن ابن الأنباري أنه لغة لبعض العرب في كل معتل حذف آخره فيقولون لم أر زيدا يسقطون الحرف للجزم ثم يسكنون ما قبل، وعلى ذلك قوله:

ومن يتق فإن الله معه ... ورزق الله مؤتاب وغاد

وقوله:

قالت سليمى اشتر لنا سويقا ... وهات خبز البر أو دقيقا

والهاء إما للسكت وحركت لالتقاء الساكنين أو ضمير، وكان القياس ضمها حينئذ كما في منه لكن السكون لعروضه لم يعتد به ولئلا ينتقل من كسر لضم تقديرا، وضعف الأول لتحريك هاء السكت وإثباتها في الوصل كذا قيل فلا تغفل وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ

حكاية لبعض آخر من أكاذيب الكفرة المنافقين مؤكدا بالأيمان الفاجرة فهو عود على بدء، والقسم الحلف وأصله من القسامة وهي أيمان تقسم على متهمين بقتل حسبما بين في كتب الفقه ثم صار اسما لكل حلف، وقوله سبحانه: جَهْدَ أَيْمانِهِمْ

نصب على أنه مصدر مؤكد لفعله المحذوف، وجملة ذلك الفعل مع فاعله في موضع الحال أو هو نصب على الحال أي حلفوا به تعالى يجهدون أيمانهم جهدا أو جاهدين أيمانهم، ومعنى جهد اليمين بلوغ غايتها بطريق الاستعارة من قولهم: جهد نفسه إذا بلغ أقصى وسعها وطاقتها، والمراد أقسموا بالغين أقصى مراتب اليمين في الشدة والوكادة، وجوز أن يكون مصدرا مؤكدا لأقسموا أي أقسموا أقسام اجتهاد في اليمين، قال مقاتل: من حلف بالله تعالى فقد اجتهد في اليمين.

والظاهر هنا أنهم غلظوا الأيمان وشددوها ولم يكتفوا بقول والله لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ

أي بالخروج كما يدل عليه قوله تعالى: لَيَخْرُجُنَ

والمراد بهذا الخروج الخروج للجهاد كما أخرجه ابن أبي حاتم عن مقاتل.

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ما يدل على أن المراد الخروج من الأموال.

وأيا ما كان فالجملة جواب لأقسموا وجواب الشرط محذوف لدلالة هذه الجملة عليه وهي حكاية بالمعنى والأصل لنخرجن بصيغة المتكلم مع الغير، وقيل الأصل لخرجنا إلا أنه أريد حكاية الحال الماضية فعبر بذلك. وتعقب بأن المعتبر زمان الحكم هو مستقبل قُلْ

أي ردا عليهم وزجرا لهم عن التفوه بتلك الأيمان وإظهارا لعدم القبول لكونهم كاذبين فيها لا تُقْسِمُوا

على ما ينبىء عنه كلامكم من الطاعة طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ

خبر مبتدأ محذوف أي طاعتكم طاعة، والجملة تعليل للنهي كأنه قيل لا تقسموا على ما تدعون من الطاعة لأن طاعتكم طاعة معروفة بأنها واقعة باللسان فقط من غير مواطأة من القلب لا يجهلها أحد من الناس، وقيل التقدير المطلوب منكم طاعة معروفة معلومة لا يشك فيها كطاعة الخلص من المؤمنين، وقيل طاعَةٌ

مبتدأ خبره محذوف أي طاعة معروفة متوسطة على قدر الاستطاعة أمثل وأولى بكم من قسمكم. واختاره الزجاج، وقيل: مرفوع بفعل مقدر أي لتكن طاعة معروفة منكم، وضعف الكل بأنه مما لا يساعده المقام والأخير بأن فيه حذف الفعل في غير موضع الحذف.

وقال البقاعي: لا تقدير في الكلام وطاعَةٌ

مبتدأ خبره مَعْرُوفَةٌ

وسوغ الابتداء بالنكرة أنها أريد بها الحقيقة فتعم والعموم من المسوغات، ولم تعرف لئلا يتوهم أن تعريفها للعهد، والجملة تعليل للنهي أي لا تقسموا فإن الطاعة معروفة منكم ومن غيركم لا تخفى فقد جرت سنة الله تعالى على أن العبد وإن اجتهد في إخفاء الطاعة لا بد وأن يظهر سبحانه مخايلها على شمائله، وكذا المعصية فلا فائدة في إظهار ما يخالف الواقع، وفي الأحاديث ما يشهد لما ذكر،

فقد روى الطبراني عن جندب «ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله تعالى رداءها»

وروى الحاكم وقال صحيح

<<  <  ج: ص:  >  >>