للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسناد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة لخرج عمله لإنسان كائنا من كان»

وهذا المعنى على ما قيل حسن لكنه خلاف الظاهر.

وقرأ زيد بن علي واليزيدي «طاعة معروفة» بالنصب على تقدير تطيعون طاعة معروفة نفاقية، وقيل أطيعوا طاعة معروفة حقيقية وطاعة بمعنى إطاعة كما في قوله تعالى: أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً [نوح: ١٧] إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ

من الأعمال الظاهرة والباطنة التي من جملتها ما تظهرونه من الأكاذيب المؤكدة بالأيمان الفاجرة وما تضمرونه من الكفر والنفاق والعزيمة على مخادعة المؤمنين وغيرها من فنون الشر والفساد والمراد الوعيد بأنه تعالى مجازيهم بجميع أعمالهم السيئة التي منها نفاقهم، وفي الإرشاد أن الجملة تعليل للحكم بأن طاعتهم طاعة نفاقية مشعر بأن مدار شهرة أمرها فيما بين المؤمنين إخباره تعالى بذلك ووعيد لهم بالمجازاة.

قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ كرر الأمر بالقول لإبراز كمال العناية به والإشعار باختلافهما حيث إن المقول الأول نهي بطريق الرد والتبكيت، وفي الثاني أمر بطريق التكليف والتشريع، وفي تكرر فعل الإطاعة والعدول عن اطيعوني إلى أطيعوا الرسول ما لا يخفى من الحث على الطاعة وإطلاقها عن وصف الصحة والإخلاص ونحوهما بعد وصف طاعتهم بما تقدم للتنبيه على أنها ليست من الطاعة في شيء.

وقوله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّوْا خطاب للمنافقين الذين أمر عليه الصلاة والسلام أن يقول لهم ما سمعت وارد من قبله عز وجل غير داخل في حيز قُلْ على ما اختاره صاحب التقريب وغيره وفيه تأكيد للأمر السابق والمبالغة في إيجاب الامتثال به والحمل عليه بالترهيب والترغيب لما أن تغيير الكلام المسوق لمعنى من المعاني وصرفه عن سننه المسلوك ينبىء عن اهتمام جديد بشأنه من المتكلم ويستجلب مزيد رغبة فيه من السامع لا سيما إذا كان ذلك بتغيير الخطاب بالواسطة بالذات كما هنا، والفاء لترتيب ما بعدها على تبليغه عليه الصلاة والسلام للمأمور به إليهم، وعدم التصريح للإيذان بغاية مسارعته صلّى الله عليه وسلّم إلى تبليغ ما أمر به وعدم الحاجة إلى الذكر أي إن تتولوا عن الطاعة إثر ما أمركم الرسول صلّى الله عليه وسلّم بها فَإِنَّما عَلَيْهِ أي على الرسول عليه الصلاة والسلام ما حُمِّلَ أي ما أمر به من التبليغ وقد شاهدتموه عند قوله: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ أي ما أمرتم به من الطاعة، ولعل التعبير بالتحميل أولا للإشعار بثقل الوحي في نفسه، وثانيا للإشعار بثقل الأمر عليهم، وقيل: لعل التعبير بذلك في جانبهم للإشعار بثقله وكون مؤنه باقية في عهدتهم بعد كأنه قيل: وحيث توليتم عن ذلك فقد بقيتم تحت ذلك الحمل الثقيل، والتعبير به في جانبه عليه الصلاة والسلام للمشاكلة والفاء واقعة في جواب الشرط وما بعدها قائم مقام الجواب أو جواب على حد ما في قوله تعالى: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل: ٥٣] كأنه قيل فإن تتولوا فاعلموا أنما عليه إلخ. هذا واختار بعضهم دخول الجملة الشرطية في حيز القول. قال الطيبي: الظاهر أنه تعالى أمر رسوله صلّى الله عليه وسلّم بأن يقول لهم: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا يخاف مضرتهم فكان أصل الكلام قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليك ما حملت وعليهم ما حملوا بمعنى فما يضرونك شيئا وإنما يضرون أنفسهم على الماضي والغيبة في تَوَلَّوْا فصرف الكلام إلى المضارع، والخطاب في تتولوا بحذف إحدى التاءين بمعنى فما ضررتموه وإنما ضررتم أنفسكم لتكون المواجهة بالخطاب أبلغ في تبكيتهم، وجعل ذلك جاريا مجرى الالتفات وجعله غيره التفاتا حقيقيا من حيث إنهم جعلوا أولا غيبا حيث أمر الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم بخطابهم بقل لهم. ثم خوطبوا بأن تتولوا استقلالا من الله تعالى لا من رسوله صلى الله تعالى عليه وسلّم، ولا يخفى أن حمل الآية على الخطاب الاستقلالي الغير الداخل تحت القول أدخل في التبكيت.

<<  <  ج: ص:  >  >>