الذين آمنوا ليكون هو رضي الله تعالى عنه مصداق الآية كما يزعمون فإن حمل لفظ الجمع على واحد خلاف أصولهم إذ أقل الجمع عندهم ثلاثة أفراد، وأما الأئمة الآخرون الذين ولدوا بعد فلا احتمال لإرادتهم من الآية إذ ليسوا بموجودين حال نزولها ولم يحصل لهم التسلط في الأرض ولم يقع رواج دينهم المرتضى لهم وما كانوا آمنين بل كانوا خائفين من أعداء الدين منهم كما أجمع عليه الشيعة فلزم أن الخلفاء الثلاثة هم مصداق الآية فتكون خلافتهم حقة وهو المطلوب.
وزعم الطبرسي أن الخطاب للنبي وأهل بيته صلّى الله عليه وسلّم فهم الموعودون بالاستخلاف وما معه ويكفي في ذلك تحقق الموعود في زمن المهدي رضي الله تعالى عنه، ولا ينافي ذلك عدم وجوده عند نزول الآية لأن الخطاب الشفاهي لا يخص الموجودين، وكذا لا ينافي عدم حصوله للكل لأن الكلام نظير بنو فلان قتلوا فلانا، واستدل على ذلك بما روى العياشي بإسناده عن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما أنه قرأ الآية فقال: هم والله شيعتنا أهل البيت يفعل ذلك بهم على يد رجل منا وهو مهدي هذه الأمة وهو الذي
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه:«لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله تعالى ذلك اليوم حتى يلي رجل من عترتي اسمه اسمي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا» .
وزعم أنه روي مثل ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله رضي الله تعالى عنهما وهذا على ما فيه مما يأباه السياق والأخبار الصحيحة الواردة في سبب النزول وأخبار الشيعة لا يخفى حالها لا سيما على من وقف على التحفة الاثني عشرية. نعم ورد من طريقنا ما يستأنس به لهم في هذا المقام لكنه لا يعول عليه أيضا مثل أخبارهم وهو ما أخرجه عبد بن حميد عن عطية أنه عليه الصلاة والسلام قرأ الآية فقال: أهل البيت هاهنا وأشار بيده إلى القبلة. وزعم بعضهم نحو ما سمعت عن الطبرسي إلا أنه قال: هي في حق جميع أهل البيت علي كرم الله تعالى وجهه وسائر الأئمة الأنثى عشر وتحقق ذلك فيهم زمن الرجعة حين يقوم القائم رضي الله تعالى عنه. وزعم أنها أحد أدلة الرجعة، وهذا قد زاد في الطنبور نغمة. وقال الملأ عبد الله المشهدي في كتابه إظهار الحق لإبطال الاستدلال على صحة خلافة الخلفاء الثلاثة: يحتمل أن يكون الاستخلاف بالمعنى اللغوي وهو الإتيان بواحد خلف آخر أي بعده كما في قوله تعالى في حق بني إسرائيل:
عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ [الأعراف: ١٢٩] فقصارى ما يثبت أنهم خلفاء بالمعنى اللغوي وليس النزاع فيه بل هو دفي المعنى الاصطلاحي وهو معنى مستحدث بعد رحلة النبي صلّى الله عليه وسلّم اهـ.
وأجيب بأنه لو تم هذا لا يتم لهم الاستدلال على خلافة الأمير كرم الله وجهه بالمعنى المصطلح
بحديث «أنت مني بمنزلة هارون من موسى»
المعتضد بما حكاه سبحانه عن موسى عليه السلام من قوله لهارون اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي [الأعراف: ١٤٣] وبما يروونه من
قوله صلّى الله عليه وسلّم:«يا علي أنت خليفتي من بعدي»
وكذا لا يتم لهم الاستدلال على إمامة الأمير كرم الله وجهه بما تضمن لفظ الإمام لأنه لم يستعمل في الكتاب المجيد بالمعنى المصطلح أصلا وإنما استعمل بمعنى النبي والمرشد والهادي والمقتدى به في أمر خيرا كان أو شرا ومتى ادعى فهم المعنى المصطلح من ذلك بطريق اللزوم فليدع فهم المعنى المصطلح من الخليفة كذلك وربما يدعي أن فهمه منه أقوى لأنه مقرون من حيث وقع في الكتاب العزيز بلفظ في الأرض الدال على التصرف العام الذي هو شأن الخليفة بذلك المعنى على أن مبنى الاستدلال على خلافة الثلاثة بهذه الآية ليس مجرد لفظ الاستخلاف حتى يتم غرض المناقش فيه بل ذلك مع ملاحظة إسناده إلى الله تعالى، وإذا أسند الاستخلاف اللغوي إلى الله عزّ وجلّ فقد صار استخلافا شرعيا وقد يستفتى