ولا كجناح بعوضة، وقيل: كفر من الكفران لا من الكفر مقابل الإيمان وروي ذلك عن أبي العالية وكمالهم في الفسق لعظم النعمة التي كفروها، وقيل: إشارة إلى الوعد السابق نفسه، وفي إرشاد العقل السليم أن المعنى ومن اتصف بالكفر بأن ثبت واستمر عليه ولم يتأثر بما مر من الترغيب والترهيب بعد ذلك الوعد الكريم بما فصل من المطالب العالية المستوجبة لغاية الاهتمام بتحصيلها فأولئك هم الكاملون في الفسق، وكون المراد بكفر ما ذكر أنسب بالمقام من كون المراد به ارتد أو كفر النعمة انتهى. والأولى عندي ما تقدم فإنه الظاهر، وفي الكلام عليه تعظيم لقدر الموعود به من حيث إنه لا يبقى بعد حصوله عذرا لمن يرتد، وقوة مناسبته للمقام لا تخفى. وهو ظاهر قول حذيفة رضي الله تعالى عنه فقد أخرج ابن مردويه عن أبي الشعثاء قال: كنت جالسا مع حذيفة وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما فقال حذية: ذهب النفاق إنما كان النفاق على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإنما هو الكفر بعد الإيمان فضحك ابن مسعود ثم قال: بم تقول؟ قال: بهذه الآية وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إلى آخر الآية وكى ن ضحك ابن مسعود كان استغرابا لذلك وسكوته بعد الاستدلال ظاهر في ارتضائه لما فهمه معدن سر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الآية.
وَمَنْ تحتمل أن تكون موصولة وتحتمل أن تكون شرطية وجملة مَنْ كَفَرَ إلخ قيل معطوفة على جملة وَعَدَ اللَّهُ إلخ أو على جملة محذوفة كأنه قيل: من آمن فهم الفائزون ومن كفر إلخ، إن هذه الجملة وكذا جملة يَعْبُدُونَنِي استئناف بياني أما ذلك في الأولى فالسؤال ناشىء من قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ إلخ فكأنه قيل: فما ينبغي للمؤمنين بعد هذا الوعد الكريم أو بعد حصوله؟ فقيل: يعبدونني لا يشركون بي شيئا. وأما في الثانية فالسؤال ناشىء من الجواب المذكور فأنه قيل فإن لم يفعلوا فماذا؟ فقيل: ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون وجزاؤهم معلوم وهو كما ترى.
هذا واستدل كثير بهذه الآية على صحة خلافة الأربعة رضي الله تعالى عنهم لأن الله تعالى وعد فيها من في حضررة الرسالة من المؤمنين بالاستخلاف وتمكين الدين والأمن العظيم من الأعداء ولا بدّ من وقوع ما وعد به ضرورة امتناع الخلف في وعده تعالى ولم يقع ذلك المجموع إلا في عهدهم فكان كل منهم خليفة حقا باستخلاف الله تعالى إياه حسبما وعد جلّ وعلا ولا يلزم عموم الاستخلاف لجميع الحاضرين المخاطبين بل وقوعه فيهم كبنو فلان قتلوا فلانا فلا ينافي ذلك عموم الخطاب الجميع، وكون من بيانية، وكذا لا ينافيه ما وقع في خلافة عثمان وعلي رضي الله تعالى عنهما من الفتن لأن المراد من الأمن الأمن من أعداء الدين وهم الكفار كما تقدم.
وأقامها بعض أهل السنة دليلا على الشيعة في اعتقادهم عدم صحة خلافة الخلفاء الثلاثة، ولم يستدل بها على صحة خلافة الأمير كرم الله تعالى وجهه لأنها مسلمة عند الشيعة والأدلة كثيرة عند الطائفتين على من ينكرها من النواصب عليهم من الله تعالى ما يستحقون فقال: إن الله تعالى وعد فيها جمعا من المؤمنين الصالحين الحاضرين وقت نزولها بما وعد من الاستخلاف وما معه ووعده سبحانه الحق ولم يقع ذلك إلا في عهد الثلاثة، والإمام المهدي لم يكن موجودا حين النزول قطعا بالإجماع فلا يمكن حمل الآية على وعده بذلك، والأمير كرم الله تعالى وجهه وإن كان موجودا إذ ذاك لكن لم يكن يرج الدين المرضي كما هو حقه في زمانه رضي الله تعالى عنه بزعم الشيعة بل صار أسوأ حالا بزعمهم مما كان في عهد الكفار كما صرح بذلك المرتضى في تنزيه الأنبياء والأئمة عليهم السلام بل كل كتب الشيعة تصرح بأن الأمير وشيعته كانوا يخفون دينهم ويظهرون دين المخالفين تقية ولم يكن الأمن الكامل حاصلا أصلا في زمانه رضي الله تعالى عنه فقد كان أهل الشام ومصر والمغرب ينكرون أصل إمامته ولا يقبلون أحكامه وهم كفرة بزعم الشيعة وأغلب عسكر الأمير يخافونهم ويحذرون غاية الحذر منهم، ومع هذا الأمير فرد يمكن إرادته من