التأكيد والمبالغة، وهي القسم، واللام الموطئة له، وإن الفرضية، وأن التحقيقية، واللام في حيزها، وتعريف الظالمين، والجملة الاسمية، وإذا الجزائية، وإيثار «من الظالمين» على- ظالم أو الظالم- لإفادته أنه مقرر محقق وأنه معدود في زمرتهم عريق فيهم. وإيقاع- الاتباع- على ما سماه- هوى- أي لا يعضده برهان، ولا نزل في شأنه بيان، والإجمال والتفصيل وجعل الجائي نفس الْعِلْمِ وعد أيضا من ذلك عده واحدا «من الظالمين» مغمورا فيهم غير متعين كتعينهم فيما بين المسلمين، فإن فيه مبالغة عظيمة للإشعار بالانتقال من مرتبة العدل إلى الظلم، ومن مرتبة التعين والسيادة المطلقة إلى السفالة والمجهولية، ولو جعل كُنْتَ في كُنْتَ عَلَيْها بمعنى صرت لكان أعلى كعبا في الإفادة. وأنت تعلم أن التركيب يقتضي المبالغة في الاستعمال لا المجهولية، ولو اقتضاها فيه لكان العد معدودا في عداد المقبول، وفي هذه المبالغات تعظيم لأمر الحق وتحريض على اقتفائه وتحذير عن متابعة الهوى، واستعظام لصدور الذنب عن الأنبياء وذو المرتبة الرفيعة إلى تجديد الانذار عليه أحوج حفظا لمرتبته، وصيانة لمكانته، فلا حاجة إلى القول بأن الخطاب للنبي والمعني به غيره.
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ مبتدأ وخبر، والمراد بهم العلماء لأن- العرفان- لهم حقيقة، ولذا وضع المظهر موضع المضمر، ولأن- أوتوا- يستعمل فيمن لم يكن له قبول، وآتينا أكثر ما جاء فيمن له ذلك، وجوز أن يكون الموصول بدلا من الموصول الأول، أو لَمِنَ الظَّالِمِينَ فتكون الجملة حالا من الْكِتابَ أو من الموصول، ويجوز أن يكون نصبا بأعني، أو رفعا على تقديرهم، وضمير يَعْرِفُونَهُ لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم- وإن لم يسبق ذكره- لدلالة قوله تعالى: كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ عليه، فإن تشبيه معرفته بمعرفة- الأبناء- دليل على أنه المراد، وقيل: المرجع مذكور فيما سبق صريحا بطريق الخطاب، فلا حاجة إلى اعتبار التقديم المعنوي «غاية الأمر» أن يكون هاهنا التفات إلى الغيبة للإيذان بأن المراد ليس معرفتهم له عليه الصلاة والسلام من حيث ذاته ونسبه الزاهر، بل من حيث كونه مسطورا في الكتاب منعوتا فيه بالنعوت التي تستلزم إفحامهم، ومن جملتها أنه يصلي إلى القبلتين، كأنه قال: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكتاب يعرفون من وصفناه فيه، وأجيب بأنه صلى الله تعالى عليه وسلم وإن خوطب في الكلام الذي في شأن «القبلة» مرارا لكنه لا يحسن إرجاع الضمير إليه لأن هذه الجملة اعتراضية مستطردة بعد ذكر أمر «القبلة» وظهورها عند أهل الكتاب بجامع المعرفة الجلية مع الطعن- ولذا لم تعطف- فلو رجع الضمير إلى المذكور لأوهم نوع اتصال- ولم يحسن ذلك الحسن- ودليل الاستطراد (ولكل وجهة) نعم إن قيل: بمجرد الجواز فلا بأس به إذ هو محتمل، ولعله الظاهر بالنظر الجليل، وقيل: الضمير- للعلم- المذكور بقوله تعالى: مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ أو القرآن بادعاء حضوره في الأذهان، أو للتحويل لدلالة مضمون الكلام السابق عليه، وفيه أن التشبيه يأبى ذلك لأن المناسب تشبيه الشيء بما هو من جنسه، فكان الواجب في نظر البلاغة حينئذ كما يعرفون التوراة أو الصخرة، وأن التخصيص بأهل الكتاب يقتضي أن تكون هذه المعرفة مستفادة من الْكِتابَ وقد أخبر سبحانه عن ذكر نعته صلى الله تعالى عليه وسلم في التوراة والإنجيل بخلاف المذكورات فإنها غير مذكور فيه ذكرها فيهما- والكاف- في محل نصب على أنها صفة لمصدر محذوف أي يَعْرِفُونَهُ بالأوصاف المذكورة في الْكِتابَ بأنه النبي الموعود بحيث لا يلتبس عليهم عرفانا مثل- عرفانهم أبناءهم- بحيث لا تلتبس عليهم أشخاصهم بغيرهم، وهو تشبيه للمعرفة العقلية الحاصلة من مطالعة الكتب السماوية بالمعرفة الحسية في أن كلّا منهما يتعذر الاشتباه فيه، والمراد- بالأبناء- الذكور لأنهم أكثر مباشرة ومعاشرة للآباء، وألصق وأعلق بقلوبهم من البنات، فكان ظن اشتباه أشخاصهم أبعد، وكان التشبيه بمعرفة الأبناء آكد من التشبيه بالأنفس لأن الإنسان قد يمر عليه قطعة من