الزمان لا يعرف فيها نفسه كزمن الطفولية- بخلاف الأبناء- فإنه لا يمر عليه زمان إلا وهو يعرف ابنه. وما حكي عن عبد الله بن سلام أنه قال في شأنه صلى الله تعالى عليه وسلم: أنا أعلم به مني بابني، فقال له عمر رضي الله تعالى عنه:
لم؟ قال: لأني لست أشك بمحمد أنه نبي، فأما ولدي فلعل والدته خانت، فقبل عمر رضي الله تعالى عنه رأسه، فمعناه أني لست أشك في نبوته عليه الصلاة والسلام بوجه، وأما ولدي فأشك في بنوته وإن لم أشك بشخصه، وهو المشبه به في الآية فلا يتوهم منه أن- معرفة الأبناء- لا تستحق أن يشبه بها لأنها دون المشبه للاحتمال، ولا يحتاج إلى القول بأنه يكفي في وجه الشبه كونه أشهر في المشبه به- وإن لم يكن أقوى- ومعرفة الأبناء- أشهر من غيرها، ولا إلى تكلف أن المشبه به في الآية إضافة- الأبناء- إليهم مطلقا سواء كانت حقة أو لا. وما ذكره ابن سلام كونه ابنا له في الواقع وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ وهم الذين لم يسلموا.
لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ الذي يعرفونه وَهُمْ يَعْلَمُونَ جملة حالية، ويَعْلَمُونَ إما منزلة منزلة اللازم ففيه تنبيه على كمال شناعة كتمان الحق وأنه لا يليق بأهل العلم، أو المفعول محذوف أي «يعلمونه» فيكون حالا مؤكدة لأن لفظ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ يدل على علمه إذ- الكتم- إخفاء ما يعلم، أو يعلمون عقاب الكتمان، أو أنهم لَيَكْتُمُونَ فتكون مبينة، وهذه الجملة عطف على ما تقدم من عطف الخاص على العام، وفائدته تخصيص من عاند وكتم بالذم، واستثناء من آمن وأظهر علمه عن حكم الكتمان الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ استئناف كلام قصد به رد الكاتمين، وتحقيق أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولذا فصل، والْحَقُّ إما مبتدأ خبره الجار- واللام- إما للعهد إشارة إلى ما جاء به النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، ولذا ذكر بلفظ المظهر أو الحق الذي كتمه هؤلاء ووضع فيه المظهر موضع المضمر تقريرا لحقيته وتثبيتا لها، أو للجنس وهو يفيد قصر جنس الْحَقُّ على ما ثبت من الله أي أن الْحَقُّ ذلك كالذي أنت عليه لا غيره كالذي عليه أهل الكتاب، وإما خبر مبتدأ محذوف أي هو الحق، أو هذا الحق، ومِنْ رَبِّكَ خبر بعد خبر أو حال مؤكدة- واللام- حينئذ للجنس كما في ذلِكَ الْكِتابُ [البقرة: ٢] ومعناه أن ما يكتمونه هو الحق- لا ما يدعونه ويزعمونه- ولا معنى حينئذ للعهد لأدائه إلى التكرار فيحتاج إلى تكلف.
وقرأ الإمام علي كرم الله تعالى وجهه «الحق» بالنصب على أنه مفعول يَعْلَمُونَ أو بدل، ومِنْ رَبِّكَ حال منه، وبه يحصل مغايرته للأول وإن اتحد لفظهما، وجوز النصب بفعل مقدر- كالزم- وفي التعرض لوصف الربوبية مع الإضافة من إظهار اللطف به صلى الله تعالى عليه وسلم ما لا يخفى.
فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ أي الشاكين أو المترددين في كتمانهم الحق عالمين به، أو في أنه مِنْ رَبِّكَ وليس المراد نهي الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم عن ذلك لأن النهي عن شيء يقتضي وقوعه أو ترقبه من المنهي عنه وذلك غير متوقع من ساحة حضرة الرسالة صلى الله تعالى عليه وسلم فلا فائدة في نهيه، ولأن المكلف به يجب أن يكون اختياريا، وليس الشك والتردد مما يحصل بقصد واختيار بل المراد إما تحقيق الأمر وأنه بحيث لا يشك فيه أحد كائنا من كان، أو الأمر للأمة بتحصيل المعارف المزيلة لما نهى عنه فيجعل النهي مجازا عن ذلك الأمر وفي جعل امتراء الأمة امتراءه صلّى الله عليه وسلّم مبالغة لا تخفى، ولك أن تقول: إن الشك ونحوه وإن لم يكن مقدور التحصيل لكنه مقدور لإزالة البقاء، ولعل النهي عنه بهذا الاعتبار ولهذا قال الله تعالى: فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ دون فلا تمتر، ومن ظن أن منشأ الاشكال إفخام الكون لأنه هو الذي ليس مقدورا فلا ينهى عنه دون الشك والتردد لم يأت بشيء لِكُلٍّ وِجْهَةٌ
أي لكل أهل ملة أو جماعة من المسلمين واليهود والنصارى أو لكل قوم من المسلمين جهة وجانب من الكعبة يصلي إليها جنوبية أو شمالية أو شرقية أو غربية، وتنوين- كل- عوض عن المضاف إليه ووجهة- جاء