الله تعالى أراد أن يعمرها بعباده ومن تحرى وجه الله تعالى في كل طريق يسلكه وصل إليه لكن ينبغي تحري الأحسن من تلك الطرق إذ المراتب متفاوتة والشؤون مختلفة ومظاهر الأسماء شتى، وقيل: المراد بها أن لكل أحد قبلة فقبلة المقربين العرش والروحانيين الكرسي والكروبيين البيت المعمور والأنبياء قبلك بيت المقدس وقبلتك الكعبة، وهي قبلة جسدك، وأما قبلة روحك فأنا، وقبلتي أنت كما يشير إليه
«أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي»
ْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً
أين ظرف مكان تضمن معنى الشرط، وا
مزيدة وأْتِ
جوابها والمعنى في أي موضع تكونوا من المواضع الموافقة لطبعكم كالأرض أو المخالفة كالسماء أو المجتمعة الأجزاء كالصخرة أو المتفرقة التي يختلط بها ما فيها كالرمل يحشركم الله تعالى إليه لجزاء أعمالكم إن خيرا فخير وإن شرا فشر، والجملة معللة لما قبلها، وفيها حث على الاستباق بالترغيب والترهيب وهي على حد قوله تعالى: يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ [لقمان: ١٦] أو في أي موضع تكونوا من أعماق الأرض وقلل الجبال يقبض الله تعالى أرواحكم إليه فهي على حد قوله تعالى: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء: ٧٨] ففيها حث على الاستباق باغتنام الفرصة فإن الموت لا يختص بمكان دون مكان، أو أَيْنَما تَكُونُوا من الجهات المتقابلات يمنة ويسرة وشرقا وغربا يجعل الله تعالى صلاتكم مع اختلاف جهاتها في حكم صلاة متحدة الجهة كأنها إلى عين الكعبة أو في المسجد الحرام- فيأت بكم- مجاز عن جعل الصلاة متحدة الجهة وفائدة الجملة المعللة حينئذ بيان حكم الأمر بالاستباق، ومنهم من قال: الخطاب في استبقوا إما عام للمؤمنين والكافرين، وإما خاص بالمؤمنين فعلى الأول يراد هنا العموم أي في أي موضع تكونوا من المواضع الموافقة للحق أو المخالفة له، وعلى الثاني الخصوص- أي أينما تكونوا في الصلاة أيها المؤمنون من الجهات المتقابلة شمالا وجنوبا وشرقا وغربا بعد أن تولوا جهة الكعبة يجعل الله تعالى صلاتكم كأنها إلى جهة واحدة لاتحادكم في الجهة التي أمرتم بالاتجاه إليها- وليس بشيء كما لا يخفى نَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
ومن ذلك إماتتكم وإحياؤكم، وجمعكم والجملة وتأكيد لما تقدم.
وحَيْثُ ظرف لازم الإضافة إلى الجمل غالبا، والعامل فيها ما هو في محل الجزاء لا الشرط فهي هنا متعلقة- بولّ- والفاء صلة للتنبيه على أن ما بعدها لازم لما قبلها لزوم الجزاء للشرط لأن- حيث- وإن لم تكن شرطية لكنها لدلالتها على العموم أشبهت كلمات الشرط ففيها رائحة الشرط، ولا يجوز تعلقها- بخرجت- لفظا وإن كانت ظرفا له معنى لئلا يلزم عدم الإضافة والمعنى من أي موضع خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ من ذلك الموضع شَطْرَ إلخ وَمِنْ ابتدائية لأن الخروج أصل لفعل ممتد وهو المشي وكذا التولية أصل للاستقبال وقت الصلاة الذي هو ممتد، وقيل:
إن- حيث- متعلقة- بولّ- والفاء ليست زائدة، وما بعدها يعمل فيما قبلها كما بين في محله إلا أنه لا وجه لاجتماع الفاء والواو فالوجه أن يكون التقدير افعل ما أمرت به من حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ فيكون فَوَلِّ عطفا على المقدر، ويجوز أن يجعل- من حيث خرجت- بمعنى أينما كنت وتوجهت فيكون- فول- جزاء له على أنها شرطية العامل فيها الشرط- ولا يخفى ما فيه من التكلف- والتخريج على قول ضعيف لم يذهب إليه إلا الفراء وهو شرطية- حيث- بدون- ما- حتى قالوا: إنه لم يسمع في كلام العرب، ثم الأمر بالتولية مقيد بالقيام إلى الصلاة للإجماع على عدم وجوب استقبال القبلة في غير ذلك.
وَإِنَّهُ أي الاستقبال أو الصرف أو التولية والتذكير باعتبار أنها أمر من الأمور أو لتذكير الخبر أو لعدم الاعتداد