بتأنيث المصدر أو بذي التاء الذي لا معنى للمجرد عنه سواء كان مصدرا أو غيره، وإرجاع الضمير للأمر السابق واحد الأوامر على قربه بعيد لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ أي الثابت الموافق للحكمة.
وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ فيجازيكم بذلك أحسن الجزاء فهو وعيد للمؤمنين، وقرىء- يعملون- على صيغة الغيبة فهو وعيد للكافرين، والجملة عطف على ما قبلها وهما اعتراض للتأكيد.
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ معطوف على مجموع قوله تعالى: لِكُلٍّ وِجْهَةٌ
إلخ أو على قوله تعالى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ إلخ عطف القصة على القصة وليس معطوفا على قوله تعالى: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ الداخل تحت فاء السببية الدالة على ترتبه على قوله تعالى: لِكُلٍّ وِجْهَةٌ
لأنه معلل بقوله تعالى: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ وهو وإن كان علة- لولوا- لا لمحذوف- أي عرفناكم وجه الصواب في قبلتكم- والحجة في ذلك كما قيل به: إلا أنه يفهم منه كونه علة- لول- لأن انقطاع الحجة بالتولية إذا حصل للأمة كان حصوله بها للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم بطريق الأولى، ولو جعل الخطاب عاما للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم والأمة ولم يلتزم تخصيصه بالأمة على حد خطابات الآية كان علة لهما وإنما كرر هذا الحكم لتعدد علله، والحصر المستفاد من «إلا لنعلم» إلخ إضافي أو ادعائي فإنه تعالى ذكر للتحويل ثلاث علل، تعظيم الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم بابتغاء مرضاته أولا، وجري العادة الإلهية على أن يؤتى كل أهل ملة وجهة «ثانيا» ودفع حجج المخالفين «ثالثا» فإن التولية إلى الكعبة تدفع احتجاج اليهود بأن المنعوت في التوراة قبلته الكعبة لا الصخرة وهذا النبي يصلي إلى الصخرة فلا يكون النبي الموعود، وبأنه صلى الله تعالى عليه وسلم يدعي أنه صاحب شريعة ويتبع قبلتنا وبينهما تدافع لأن عادته سبحانه وتعالى جارية بتخصيص كل صاحب شريعة بقبلة، وتدفع احتجاج المشركين بأنه عليه الصلاة والسلام يدعي ملة إبراهيم ويخالف قبلته وترك سبحانه التعميم بعد التخصيص في المرتبة الثالثة اكتفاء بالعموم المستفاد من العلة، وزاد مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ دفعا لتوهم مخالفة حال السفر لحال الحضر بأن يكون حال السفر باقيا على ما كان كما في الصلاة حيث زيد في الحضر ركعتان أو يكون مخيرا بين التوجهين كما في الصوم. وقد يقال فائدة هذا التكرار الاعتناء بشأن الحكم لأنه من مظان الطعن وكثرة المخالفين فيه لعدم الفرق بين النسخ والبداء، وقيل: لا تكرار فإن الأحوال ثلاثة، كونه في المسجد، وكونه في البلد خارج المسجد، وكونه خارج البلد، فالأول محمول على الأول، والثاني على الثاني، والثالث على الثالث، ولا يخفى أنه مجرد تشبيه لا يقوم عليه دليل.
إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ إخراج من الناس، وهو بدل على المختار، والمعنى عند القائلين: بأن الاستثناء من النفي إثبات لئلا يكون لأحد من الناس عليكم حجة إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا بالعناد فإن لهم عليكم حجة فإن اليهود منهم يقولون ما تحول إلى الكعبة إلا ميلا لدين قومه وحبا لبلده، والمشركين منهم يقولون بدا له فرجع إلى قبلة آبائه، ويوشك أن يرجع إلى دينهم، وتسمية هذه الشبهة الباطلة حجة مع أنها عبارة عن البرهان المثبت للمقصود لكونها شبيهة بها باعتبار أنهم يسوقونها مساقها، واعترض بأن صدر الكلام لو تناول هذا لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز وإلا لم يصح الاستثناء لأن الحجة مختصة بالحقيقة، ولا محيص سوى أن يراد بالحجة المتمسك حقا كان أو باطلا، وأجيب بأنه لم يستثن شبهتهم عن الحجة بل ذواتهم عن الناس إلا أنه لزم تسمية شبهتهم حجة باعتبار مفهوم المخالفة فلا حاجة إلى تناول الصدر إياها، وأنت تعلم أن مراد المعترض إن الاستثناء وإن كان من الناس إلا أنه يثبت به ما نفي عن المستثني منه للمستثني بناء على أن الاستثناء من النفي إثبات فإن كان الصدر مشتملا على ما أثبت للمستثني لزم الجمع وإلا لم