للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استئنافا لبيان ذلك وهو كما ترى، وأيا ما كان فالمراد بذلك اليوم على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يوم الموت، وقال أبو حيان: الظاهر أنه يوم القيامة لقوله تعالى بعد وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا إلخ وفيه نظر.

ونفي البشرى كناية عن إثبات ضدها كما أن نفي المحبة في مثل قوله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ [آل عمران: ٣٢] كناية عن البغض والمقت فيدل على ثبوت النذرى لهم على أبلغ وجه، والمراد بالمجرمين أولئك الذين لا يرجون لقاءه تعالى، ووضع المظهر موضع ضميرهم تسجيلا عليهم بالإجرام مع ما هم عليه من الكفر والعناد وإيذانا بعلة الحكم، ومن اعتبر المفهوم في مثله ادعى إفادة الآية عدم تحقق الحكم في غيرهم، وقد دل قوله تعالى في حق المؤمنين تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا [فصلت: ٣٠] إلخ على حصول البشرى لهم، وقيل: المراد بهم ما يعم العصاة والكفار الذين لا يرجون لقاءه تعالى، ويفيد الكلام سلب البشرى عن الكفار على أتم وجه لدلالته على أن المانع من حصول البشرى هو الإجرام ولا إجرام أعظم من إجرام الذين لا يرجون لقاءه عز وجل ويقولون ما يقولون فهم أولى به. ويتم استدلال المعتزلة بالآية عليه في نفي العفو والشفاعة للعصاة لأنها لا تفيد النفي في جميع الأوقات فيجوز أن يبشر العصاة بما ذكر في وقت آخر.

وتعقب بأن الجملة قبل النفي لكونها اسمية تفيد الاستمرار فبعد دخول النفي إرادة نفي استمرار البشرى للمجرمين بمعنى أن البشرى تكون لهم لكن لا تستمر مما لا يظن أن أحدا يذهب إليه فيتعين إرادة استمرار النفي كما في قوله تعالى في حق أضدادهم لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس: ٦٢] فحينئذ لا يتسنى قوله: إنها لا تفيد النفي في جميع الأوقات، فالأولى أن يراد بالمجرمين من سمعت حديثهم وَيَقُولُونَ عطف على لا يبشرون أو يمنعون البشرى أو نحوه المقدر قبل يَوْمَ.

وجوز أن يكون عطفا على ما قبله باعتبار ما يفهم منه كأنه قيل: يشاهدون أهوال القيامة ويقولون، وأن يكون عطفا على يَرَوْنَ وجملة لا بُشْرى حال بتقدير القول فلا يضر الفصل به، وضمير الجمع على ما استظهره أبو حيان لأنهم المحدث عنهم وحكاه الطبرسي عن مجاهد وابن جريج للذين لا يرجون أي ويقول أولئك الكفرة حِجْراً مَحْجُوراً وهي كلمة تقولها العرب عند لقاء عدو موتور وهجوم نازلة هائلة يضعونها موضع الاستعاذة حيث يطلبون من الله تعالى أن يمنع المكروه فلا يلحقهم فكأن المعنى نسأل الله تعالى أن يمنع ذلك منعا ويحجره حجرا.

وقال الخليل: كان الرجل يرى الرجل الذي يخاف منه القتل في الجاهلية في الأشهر الحرم فيقول: حجرا محجورا أي حرام عليك التعرض لي في هذا الشهر فلا يبدؤه بشرّ، وقال أبو عبيدة: هي عوذة للعرب يقولها من يخاف آخر في الحرم أو في شهر حرام إذا لقيه وبينهما ترة، وقال أبو علي الفارسي: مما كانت العرب تستعمله ثم ترك قولهم حجرا محجورا، وهذا كان عندهم لمعنيين، أحدهما أن يقال عند الحرمان إذا سئل الإنسان فقال ذلك علم السائل أنه يريد أن يحرمه، ومنه قول المتلمس:

حنت إلى النخلة القصوى فقلت لها ... حجر حرام ألا تلك الدهاريس (١)

والمعنى الآخر الاستعاذة كان الإنسان إذا سافر فرأى ما يخاف قال: حجرا محجورا أي حرام عليك التعرض لي انتهى. وذكر سيبويه «حجرا» من المصادر المنصوبة غير المتصرفة وأنه واجب إضمار ناصبها، وقال: ويقول الرجل


(١) أي الدواهي اهـ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>