للرجل أتفعل كذا فيقول: حجرا وهي من حجره إذا منعه لأن المستعيذ طالب من الله تعالى أن يمنع المكروه من أن يلحقه والأصل فيه فتح الحاء، وقرىء به كما قال أبو البقاء لكن لما خصوا استعماله بالاستعاذة أو الحرمان صار كالمنقول فلما تغير معناه تغير لفظه عما هو أصله وهو الفتح إلى الكسر وقد جاء فيه الضم أيضا وهي قراءة أبي رجاء والحسن والضحاك ويقال فيه حجرى بألف التأنيث أيضا ومثله في التغيير عن أصله قعدك الله تعالى بسكون العين وفتح القاف، وحكى كسرها عن المازني وأنكره الأزهري وقعيدك وهو منصوب على المصدرية، والمراد رقيبك وحفيظك الله تعالى ثم نقل إلى القسم قعدك أو قعيدك الله تعالى لا تفعل، وأصله بإقعاد الله تعالى أي إدامته سبحانه لك وكذا عمرك الله بفتح الراء وفتح العين وضمها وهو منصوب على المصدرية ثم اختص بالقسم، وأصله بتعميرك الله تعالى أي بإقرارك له بالبقاء، وما ذكر من أنه لازم النصب على المصدرية بفعل واجب الإضمار اعترض عليه في الدر المصون بما أنشده الزمخشري:
قالت وفيها حيدة وذعر ... عوذ بربي منكم وحجر
فإنه وقع فيه مرفوعا، ووصفه بمحجورا للتأكيد كشعر شاعر وموت مايت وليل أليل، وذكر أن مفعولا هنا للنسب أي ذو حجر وهو كفاعل يأتي لذلك، وقيل: إنه على الإسناد المجازي وليس بذاك، والمعنى أنهم يطلبون نزول الملائكة عليهم السلام وهم إذ رأوهم كرهوا لقاءهم أشد كراهة وفزعوا منهم فزعا شديدا، وقالوا ما كانوا يقولونه عند نزول خطب شنيع وحلول بأس فظيع، وقيل: ضمير يقولون للملائكة وروى ذلك عن أبي سعيد الخدري والضحاك وقتادة وعطية ومجاهد على ما في الدر المنثور قالوا: إن الملائكة يقولون للكفار حجرا محجورا أي حراما محرما عليكم البشرى أي جعلها الله تعالى حراما عليكم.
وفي بعض الروايات أنهم يطلبون البشرى من الملائكة عليهم السلام فيقولون ذلك لهم
وقال بعضهم: يعنون حراما محرما عليكم الجنة وحكاه في مجمع البيان عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقيل: الغفران، وفي جعل حِجْراً نصبا على المفعولية لجعل مقدرا كما أشير إليه بحث، والظاهر على ما ذكر أن إيراد هذه الكلمة للحرمان وهو المعنى الأول من المعنيين اللذين ذكرهما الفارسي وَيَقُولُونَ على هذا القول قيل معطوف على ما عطف عليه على القول بأن ضميره للكفرة، وقيل: معطوف على جملة يقولون المقدرة قبل لا بُشْرى الواقعة حالا.
وقال الطيبي: هو حال من الْمَلائِكَةَ بتقدير وهم يقولون نظير قولهم: قمت وأصك وجهه وعلى الأول هو عطف على يَرَوْنَ وَقَدِمْنا أي عمدنا وقصدنا كما روي عن ابن عباس وأخرجه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد إِلى ما عَمِلُوا في الدنيا مِنْ عَمَلٍ فخيم كصلة رحم وإغاثة ملهوف وقرى ضعيف ومن على أسير وغير ذلك من مكارمهم ومحاسنهم التي لو كانوا عملوها مع الإيمان لنالوا ثوابها، والجار والمجرور بيان لما وصحة البيان باعتبار التنكير كصحة الاستثناء في إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا [الجاثية: ٣٢] لكن التنكير هاهنا للتفخيم كما أشرنا إليه.
وجوز أن يكون للتعميم ودفع ما يتوهم من العهد في الموصول أي عمدنا إلى كل عمل عملوه خال عن الإيمان، ولعل الأول أنسب بقوله تعالى: فَجَعَلْناهُ هَباءً
مثل هباء في الحقارة وعدم الجدوى، وهو على ما أخرج عبد الرزاق والفريابي وابن أبي حاتم عن علي كرّم الله تعالى وجهه
وهج الغبار يسطع ثم يذهب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه الشرر الذي يطير من النار إذا اضطرمت، وفي رواية أخرى عنه أنه الماء المهراق. وعن يعلى بن عبيد أنه الرماد.