وتعقيب جعل الجنس قسمين خلق آدم أو الجنس باعتبار خلقه أو جعل قسمين من آدم خلقه عليه السلام كما تؤذن به الفاء ظاهر، وربما يتوهم أن الضمير المنصوب في جعله عائد على الماء والفاء مثلها في قوله تعالى:
وعن علي كرّم الله تعالى وجهه أن النسب ما لا يحل نكاحه والصهر ما يحل نكاحه
،
وفي رواية أخرى عنه رضي الله تعالى عنه النسب ما لا يحل نكاحه والصهر قرابة الرضاع
، وتفسير الصهر بذلك مروي عن الضحاك أيضا.
وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً مبالغا في القدرة حيث قدر على أن يخلق من مادة واحدة بشرا ذا أعضاء مختلفة وطباع متباعدة، وجعله قسمين متقابلين وَكانَ في مثل هذا الموضع للاستمرار. وإذا قلنا بأن الجملة الاسمية نفسها تفيد ذلك أيضا أفاد الكلام استمرارا على استمرار. وربما أشعر ذلك بأن القدرة البالغة من مقتضيات ذاته جل وعلا، ومن العجب ما زعمه بعض (١) من يدعي التفرد بالتحقيق ممن صحبناه من علماء العصر رحمة الله تعالى عليه إن كانَ في مثله للاستمرار فيما لم يزل والجملة الاسمية للاستمرار فيما لا يزال فيفيد جمعهما استمرار ثبوت الخبر للمبتدأ أزلا وأبدا، ويعلم منه مبلغ الرجل في العلم وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ الذي شأنه تعالى شأنه ما ذكر ما لا يَنْفَعُهُمْ إن عبدوه وَلا يَضُرُّهُمْ إن لم يعبدوه، والمراد بذلك الأصنام أو كل ما عبد من دون الله عز وجل وما من مخلوق يستقل بالنفع والضر وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ الذي ذكرت آثار ربوبيته جل وعلا ظَهِيراً أي مظاهرا كما قال الحسن ومجاهد وابن زيد وفعيل بمعنى مفاعل كثير ومنه نديم وجليس، والمظاهرة المعاونة أي يعاون الشيطان على ربه سبحانه بالعداوة والشرك، والمراد بالكافر الجنس فهو إظهار في مقام الإضمار لنعي كفرهم عليهم. وقيل: هو أبو جهل والآية نزلت فيه، وقال عكرمة: هو إبليس عليه اللعنة، والمراد يعاون المشركين على ربه عز وجل بأن يغريهم على معصيته والشرك به عز وجل، وقيل: المراد يعاون على أولياء الله تعالى.
وجوز أن يكون هذا مرادا على سائر الاحتمالات في الكافر. وقيل: المراد بظهيرا مهينا من قولهم: ظهرت به إذا نبذته خلف ظهرك أي كان من يعبد من دون الله تعالى ما لا ينفعه ولا يضره مهينا على ربه عز وجل لا خلاق له عنده سبحانه قاله الطبري، ففعيل بمعنى مفعول، والمعروف أن ظَهِيراً بمعنى معين لا بمعنى مظهور به وَما أَرْسَلْناكَ في حال من الأحوال إِلَّا حال كونك مُبَشِّراً للمؤمنين وَنَذِيراً أي ومنذرا مبالغا في الإنذار للكافرين، ولتخصيص الإنذار بهم وكون الكلام فيهم والإشعار بغاية إصرارهم على ما هم فيه من الضلال اقتصر على صيغة المبالغة فيه، وقيل: المبالغة باعتبار كثرة المنذرين فإن الكفرة في كل وقت أكثر من المؤمنين.
وبعضهم اعتبر كثرتهم بإدخال العصاة من المؤمنين فيهم أي ونذيرا للعاصين مؤمنين كانوا أو كافرين والمقام يقتضي التخصيص بالكافرين كما لا يخفى، والمراد ما أرسلناك إلا مبشرا للمؤمنين ونذيرا للكافرين فلا تحزن على عدم إيمانهم قُلْ لهم دافعا عن نفسك تهمة الانتفاع بإيمانهم ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أي على تبليغ الرسالة الذي ينبيء عنه الإرسال أو على المذكور من التبشير والإنذار، وقيل: على القرآن مِنْ أَجْرٍ أي أجر ما من جهتكم إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ أي إلى رحمته ورضوانه سَبِيلًا أي طريقا، والاستثناء عند الجمهور منقطع أي لكن