[يس: ٢٢] ليكون أبلغ في النصح وأدعى للقبول. ومن هنا استعمل الأكابر التعريض في النصح.
ومنه ما يحكى عن الشافعي رضي الله تعالى عنه أن رجلا واجهه بشيء فقال: لو كنت بحيث أنت لاحتجت إلى أدب.
وسمع رجل ناسا يتحدثون في الحجر فقال: ما هو بيتي ولا بيتكم. وضمير (إنهم) عائد على ما وجمع مراعاة لمعناها وإفراد العدو مع أنه خبر عن الجمع إما لأنه مصدر في الأصل فيطلق على الواحد المذكر وغيره أو لاتحاد الكل في معنى العداوة أو لأن الكلام بتقدير فإن كلا منهم أو لأنه بمعنى النسب أي ذو كذا فيستوي فيه الواحد وغيره كما قيل.
وقوله سبحانه: إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ استثناء منقطع من ضمير «إنهم» عند جماعة منهم الفراء واختاره الزمخشري أي لكن رب العالمين ليس كذلك فإنه جل وعلا ولي من عبده في الدنيا والآخرة لا يزال يتفضل عليه بالمنافع.
وقال الزجاج: هو استثناء متصل من ذلك الضمير العائد على ما تَعْبُدُونَ ويعتبر شموله لله عز وجل وفي آبائهم الأقدمين من عبد الله جل وعلا من غير شك أو يقال: إن المخاطبين كانوا مشركين وهم يعبدون الله تعالى والأصنام. وتخصيص الأصنام هنا بالذكر للرد لا لأن عبادتهم مقصورة عليها ولو سلّم أنه لذلك فهو باعتبار دوام العكوف وذلك لا ينافي عبادتهم إياه عز وجل أحيانا، وقال الجرجاني: إن الاستثناء من ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ وإِلَّا بمعنى دون وسوى وفي الآية تقديم وتأخير والأصل أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون إلا رب العالمين أي دون رب العالمين فإنهم عدو لي ولا يخفى ما فيه الَّذِي خَلَقَنِي صفة لرب العالمين. ووصفه تعالى بذلك وبما عطف عليه مع اندراج الكل تحت ربوبيته تعالى للعالمين زيادة في الإيضاح في مقام الإرشاد، وقيل: تصريحا بالنعم الخاصة به عليه السلام وتفصيلا لها لكونها أدخل في اقتضاء تخصيص العبادة به تعالى وقصر الالتجاء في جلب المنافع الدينية والدنيوية ودفع المضار العاجلة والآجلة عليه تعالى.
فَهُوَ يَهْدِينِ عطف على الصلة أي فهو يهديني وحده جل شأنه إلى كل ما يهمني ويصلحني من أمور المعاش والمعاد هداية متصلة بحين الخلق ونفخ الروح متجددة على الاستمرار كما ينبىء عنه الفاء وصيغة المضارع فإنه تعالى يهدي كل ما خلقه لما خلق له هداية متدرجة من مبتدأ إيجاده إلى منتهى أجله يتمكن بها من جلب منافعه ودفع مضاره إما طبعا وإما اختيارا مبدؤها بالنسبة إلى الإنسان هداية الجنين لامتصاص دم الطمث في المشهور ومنتهاها الهداية إلى طريق الجنة والتنعم بنعيمها المقيم، وجوز الحوفي وغيره كون الموصول مبتدأ وجملة هو يَهْدِينِ خبره ودخلت الفاء في خبره لتضمنه معنى الشرط نحو الذي يأتيني فله درهم.
وتعقبه أبو حيان بأن الفاء إنما يؤتى بها في خبر الموصول لتضمنه معنى الشرط إذا كان عاما وهنا لا يتخيل فيه العموم فليس ما نحن فيه نظير المثال. وأيضا الفعل الذي هو خلق مما لا يمكن فيه تجدد بالنسبة إلى إبراهيم عليه السلام فلعل ذلك على مذهب الأخفش من جواز زيادة الفاء في الخبر مطلقا نحو زيد فاضربه، وأجيب بأن اشتراط العموم غير مسلم كما فصله الرضي وإنما هو أغلبي. وبأن مطلق الخلق مما يمكن فيه التجدد وهو ممكن الإرادة وإن ظهر في صورة المخصوص وتسبب الخلق للهداية بمقتضى الحكمة، وقيل: إنه سبب للإخبار بها لتحققها وليس بشيء ويلزم على الإعراب المذكور أن يكون الموصول في قوله سبحانه: وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ مبتدأ محذوف الخبر لدلالة ما قبله عليه وكذا اللذان بعده. ولا يخفى ما في ذلك لفظا ومعنى فاللائق بجزالة التنزيل الإعراب