الأول وعليه يكون الموصول عطفا على الموصول الأول، وإنما كرر الموصول في المواضع الثلاثة مع كفاية عطف ما في حيز الصلة من الجمل الست على صلة الموصول الأول للإيذان بأن كل واحدة من تلك الصلات نعت جليل له تعالى مستقل في استيجاب الحكم حقيق بأن تجري عليه عز وجل بحيالها ولا تجعل من روادف غيرها، والظاهر أن المراد إطعام الطعام المعروف وسقي الشراب المعهود وجيء بهو هنا دون الخلق لشيوع إسناد الإطعام والسقي إلى غير عز وجل بخلاف الخلق وعلى هذا القياس فيما جيء فيه بهو وما ترك مما يأتي إن شاء الله تعالى.
وعن أبي بكر الوراق أن المعنى يطعمني بلا طعام ويسقيني بلا شراب كما جاء «إني أبيت يطعمني ربي ويسقين» وهو مشرب صوفي. وأتى بهذين الصفتين بعد ما تقدم لما أن دوام الحياة وبقاء نظام خلق الإنسان بالغذاء والشراب ما سلك فيهما مسلك العدل وهو أشد احتياجا إليهما منه إلى غيرهما ألا ترى أن أهل النار وهم في النار لم يشغلهم ما هم فيه من العذاب عن طلبهما فقالوا:«أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله» .
وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ عطف على «يطعمني ويسقين» نظم معهما في سلك الصلة لموصول واحد لما أن الصحة والمرض من متفرعات الأكل والشرب غالبا:
فإن الداء أكثر ما تراه ... يكون من الطعام أو الشراب
وقالت الحكماء: لو قيل لأكثر الموتى ما سبب آجالكم لقالوا: التخم ونسبة المرض الذي هو نقمة إلى نفسه والشفاء الذي هو نعمة إلى الله جل شأنه لمراعاة حسن الأدب كما قال الخضر عليه السلام: فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها [الكهف: ٧٩] وقال: فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما [الكهف: ٨٢] ولا يرد إسناده الإماتة وهي أشد من المرض إليه عز وجل في قوله: وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ لإمكان الفرق بأن الموت قد علم واشتهر أنه قضاء محتوم من الله عز وجل على سائر البشر وحكم عام لا يخص ولا كذلك المرض فكم من معافى منه إلى أن يبغته الموت فالتأسي بعموم الموت يسقط أثر كونه نقمة فيسوغ الأدب نسبته إليه تعالى. وأما المرض فلما كان يخص به بعض البشر دون بعض كان نقمة محققة فاقتضى العلو في الأدب أن ينسبه الإنسان إلى نفسه باعتبار السبب الذي لا يخلو منه.
ويؤيد ذلك أن كل ما ذكر مع غير المرض أخبر عن وقوعه بتا وجزما لأنه أمر لا بد منه وأما المرض فلما كان قد يتفق وقد لا أورده مقرونا بشرط إذا فقال: وَإِذا مَرِضْتُ وكان يمكنه أن يقول: والذي أمرض فيشفيني كما قال في غيره فما عدل عن المطابقة والمجانسة المأثورة إلا لذلك كذا قاله ابن المنير.
وقال الزمخشري: إنما قال: مرضت دون أمرضني لأن كثيرا من أسباب المرض يحدث بتفريط من الإنسان في مطاعمه ومشاربه وغير ذلك وكأنه إنما عدل في التعليل عن حسن الأدب لما رأى أنه عليه السلام أضاف الإماتة إليه عز وجل وهي أشد من المرض ولم يخطر له الفرق بما مر أو نحوه وغفل عن أن المعنى الذي أبداه في المرض ينكسر بالموت أيضا فإن المرض كما يكون بسبب تفريط الإنسان في المطعم وغيره كذلك الموت الناشئ عن سبب هذا المرض الذي يكون بتفريط الإنسان وقد أضاف عليه السلام الإماتة مطلقا إليه عز شأنه.
وقال بعض الأجلة بعد التعليل بحسن الأدب في وجه إسناد الإماتة إليه تعالى: إنها حيث كانت معظم خصائصه عز وجل كالإحياء بدءا وإعادة وقد نيطت أمور الآخرة جميعا بها وبما بعدها من البعث نظمهما في سمط واحد في قوله: وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ على أن الموت لكونه ذريعة إلى نيله عليه السلام للحياة الأبدية بمعزل من أن يكون غير مطبوع عنده عليه السلام انتهى، وأولى من هذه العلاوة ما قيل: إن الموت لأهل الكمال وصلة إلى نيل المحاب