والضمير لقوم نوح، وقيل: هو للمرسلين والأخوة المجانسة وهو خلاف الظاهر أَلا تَتَّقُونَ الله عز وجل حيث تعبدون غيره إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ من الله تعالى أرسلني لمصلحتكم أَمِينٌ مشهور بالأمانة فيما بينكم، وقيل: أمين على أداء رسالته جل شأنه فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ فيما آمركم به من التوحيد والطاعة لله تعالى، وقدم الأمر بتقوى الله تعالى على الأمر بالطاعة لأن تقوى الله تعالى سبب لطاعته عليه السلام وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أي على ما أنا متصد له من الدعا والنصح مِنْ أَجْرٍ أي ما أطلب منكم على ذلك أجرا أصلا لا مالا ولا غيره إِنْ أَجْرِيَ فيما أتولاه إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ فهو سبحانه الذي يؤجرني في ذلك تفضلا منه لا غيره، والفاء في قوله تعالى:
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ لترتيب ما بعدها على ما قبلها من تنزهه عليه السلام من الطمع كما أن نظيرتها السابقة لترتيب ما بعدها على كونه رسولا من الله تعالى بما فيه نفع الدارين مع أمانته، والتكرير للتأكيد والتنبيه على أن كلا منهما مستقل في إيجاب التقوى والطاعة فكيف إذا اجتمعا، وقرىء «إن أجري» بسكون الياء وهو والفتح لغتان مشهورتان في مثل ذلك اختلف النحاة في أيتهما الأصل.
قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ أي وقد اتبعك على أن الجملة في موضع الحال وقد لازمة فيها إذا كان فعلها ماضيا وكثير من الأجلة لا يوجب ذلك، وقرأ عبد الله وابن عباس والأعمش وأبو حيوة والضحاك وابن السميقع وسعيد بن أبي سعيد الأنصاري وطلحة ويعقوب «وأتباعك» جمع تابع كصاحب وأصحاب، وقيل: جمع تبيع كشريف وأشراف، وقيل: جمع تبع كبطل وأبطال، وهو مرفوع على الابتداء والْأَرْذَلُونَ خبره، والجملة في موضع الحال أيضا، وقيل: معطوف على الضمير المستتر في نُؤْمِنُ وحسن ذلك للفصل بلك والْأَرْذَلُونَ صفته، ولا يخفى أنه ركيك معنى، وعن اليماني «وأتباعك» بالجر عطفا على الضمير في لَكَ وهو قليل وقاسه الكوفيون والْأَرْذَلُونَ رفع بإضمارهم، وهو جمع الأرذل على الصحة والرذالة الخسة والدناءة، والظاهر أنهم إنما استرذلوا المؤمنين به عليه السلام لسوء أعمالهم يدل عليه قوله في الجواب (١) :
قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ أي ما وظيفتي إلا اعتبار الظواهر وبناء الأحكام عليها دون التجسس والتفتيش عن البواطن، وما استفهامية، وقال الحوفي والطبرسي: نافية، وعليه يكون في الكلام حذف أي وما علمي بما كانوا يعملون ثابت إِنْ حِسابُهُمْ أي ما محاسبتهم على ما يعملون إِلَّا عَلى رَبِّي فاعتبار البواطن من شؤونه عز وجل وهو المطلع عليها لَوْ تَشْعُرُونَ أي بشيء من الأشياء أو لو كنتم من أهل الشعور لعلمتم ذلك لكنكم لستم كذلك فلذا قلتم ما قلتم، وأل على هذا الوجه للجنس، وقال جمع: إن استرذالهم إياهم لقلة نصيبهم من الدنيا، وقيل: لكونهم من أهل الصناعات الدنيئة، وقد كانوا كما روي عن عكرمة حاكة وأساكفة، وقيل: لاتضاع نسبهم، ومنشأ ذلك على الجميع سخافة عقولهم وقصور أنظارهم لأن الفقر ليس من الرذالة في شي:
قد يدرك المجد الفتى ورداؤه ... خلق وجيب قميصه مرقوع
وكذا خسة الصناعة لا تزري بالشرف الأخروي ولا تلحق التقي نقيصة عند الله عز وجل، وقد أنشد أبو العتاهية:
وليس على عبد تقي نقيصة ... إذا صحح التقوى وإن حاك أو حجم
(١) في الأصل قوله في الجواب «وما علمي» والتلاوة قال وما علمي فصححناه.