للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثلها صفة النسب فقد قيل:

أبي الإسلام لا أب لي سواه ... إذا افتخروا بقيس أو تميم

وما ذكره الفقهاء في باب الكفاءة مبني على عرف العامة لانتظام أمر المعاش ونحوه على أنه روي عن الإمام مالك عدم اعتبار شيء من ذلك أصلا وأن المسلمين كيفما كانوا أكفاء بعضهم لبعض، وأل على هذه الأقوال للعهد.

والجواب بما ذكر عما أشاروا إليه بقولهم ذلك من أن إيمانهم لم يكن عن نظر وبصيرة وإنما كان لحظ نفساني كحصول شوكة بالاجتماع ينتظمون بها في سلك ذوي الشرف ويعدون بها في عدادهم، وحاصله وما وظيفتي إلا اعتبار الظواهر دون الشق عن القلوب والتفتيش عما في السرائر فما يضرني عدم إخلاصهم في إيمانهم كما تزعمون وجوز أن يقال: إنهم لما قالوا: وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ وعنوا الذين لا نصيب لهم من الدنيا أو الذين اتضعت أنسابهم أو كانوا من أهل الصنائع الدنيئة تغابى عليه السلام عن مرادهم وخيل لهم أنهم عنوا بالأرذلين من لا إخلاص له في العمل ولم يؤمن عن نظر وبصيرة فأجابهم بما ذكر كأنه ما عرف من الأرذلين إلا ذلك، ولو جعل هذا نوعا من الأسلوب الحكيم لم يبعد عندي، وفيه من لطف الرد عليهم وتقبيح ما هم عليه ما لا يخفى، وزعم بعضهم أنهم عنوا بالأرذلين نساءه عليه السلام وبنيه وكناته وبني بنيه واسترذالهم لعضة النسب لا يتصور في جميعهم حقيقة كما لا يخفى فلا بد عليه من اعتبار التغليب ونحوه، وقرأ الأعرج وأبو زرعة وعيسى بن عمر الهمداني «يشعرون» بياء الغيبة وقوله تعالى:

وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ جواب عما أوهمه كلامهم من استدعاء طردهم وتعليق إيمانهم بذلك حيث جعلوا أتباعهم مانعا عنه، وقد نزلوا لذلك منزلة من يدعي أنه عليه السلام ممن يطرد المؤمنين وأنه ممن يشترك معه فيه فقدم المسند إليه وأولى حرف النفي لإفادة أن ذلك ليس شأنه بل شأن المخاطبين.

وجوز أن يكون التقديم للتقوى وهو أقل مؤنة كما لا يخفى، وقيل: إنهم طلبوا منه عليه السلام طردهم فأجابهم بذلك كما طلب رؤساء قريش من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طرد من آمن به من الضعفاء فنزلت وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ [الأنعام: ٥٢] الآية، وقوله تعالى: إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ كالعلة له أي ما أنا إلا رسول مبعوث لإنذار المكلفين وزجرهم عما لا يرضيه سبحانه وتعالى سواء كانوا من الأشرفين أو الأرذلين فكيف يتسنى لي طرد من زعمتم أنهم أرذلون.

وحاصله أنا مقصور على إنذار المكلفين لا أتعداه إلى طرد الأرذلين منهم أو ما عليّ إلا إنذاركم بالبرهان الواضح وقد فعلته وما عليّ استرضاء بعضكم بطرد الآخرين، وحاصله أنا مقصور على إنذاركم لا أتعداه إلى استرضائكم.

وقيل: إن مجموع الجملتين جواب وإن إيلاء الضمير حرف النفي يدل على أنهم زعموا أنه عليه السلام موصوف بصفتين، إحداهما اتباع أهوائهم بطرد المؤمنين لأجل أن يؤمنوا، وثانيتهما أنه نذير مبين فقصر الحكم على الثاني دون الأول ولا يخلو عن بحث قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ عما أنت عليه لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ أي المرميين بالحجارة كما روي عن قتادة، وهو توعد بالقتل كما روي عن الحسن، وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي أن المعنى من المشتومين على أن الرجم مستعار للشتم كالطعن، وفي إرشاد العقل السليم أنهم قاتلهم الله تعالى قالوا ذلك في أواخر الأمر، ومعنى قوله تعالى: قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ استمروا على تكذيبي وأصروا عليه بعد ما دعوتهم هذه الأزمنة المتطاولة ولم يزدهم دعائي إلا فرارا. وهذا ليس بإخبار بالاستمرار على التكذيب لعلمه عليه السلام أن

<<  <  ج: ص:  >  >>