وعن ابن جبير أن المراد بهم الأنبياء عليهم السلام، والمعنى ويرى تقلبك كما يتقلب غيرك من الأنبياء عليهم السلام في تبليغ ما أمروا بتبليغه وهو كما ترى، وتفسير الساجدين بالأنبياء رواه جماعة منهم الطبراني والبزار وأبو نعيم عن ابن عباس أيضا إلا أنه رضي الله تعالى عنه فسر التقلب فيهم بالتنقل في أصلابهم حتى ولدته أمه عليه الصلاة والسلام، وجوز على حمل التقلب على التنقل في الأصلاب أن يراد بالساجدين المؤمنون، واستدل بالآية على إيمان أبويه صلّى الله تعالى عليه وسلّم كما ذهب إليه كثير من أجلة أهل السنة، وأنا أخشى الكفر على من يقول فيهما رضي الله تعالى عنهما على رغم أنف على القارئ وأضرابه بضد ذلك إلا أني لا أقول بحجية الآية على هذا المطلب، ورؤية الله تعالى انكشاف لائق بشأنه عز شأنه غير الانكشاف العلمي ويتعلق بالموجود والمعدوم الخارجي عند العارفين، وقالوا: إن رؤية الله تعالى للمعدوم نظير رؤية الشخص القيامة ونحوها في المنام وكثير من المتكلمين أنكروا تعلقها بالمعدوم، ومنهم من أرجعها إلى صفة العلم وتحقيق ذلك في محله، وفي وصفه تعالى برؤيته حاله صلّى الله عليه وسلّم التي بها يستأهل ولايته بعد وصفه بما تقدم تحقيق للتوكل وتوطين لقلبه الشريف عليه الصلاة والسلام عليه.
وقرأ جناح بن حبيش «ويقلّبك» مضارع قلب مشددا وخرج ذلك أبو حيان على العطف على يراك وجوز العطف على تَقُومُ
. وفي الكلام على هذه القراءة إشارة إلى وقوع تقلبه صلّى الله عليه وسلّم في الساجدين على وجه الكمال وكمال التقلب في الصلاة كونه بخشوع يغفل معه عما سوى الله تعالى إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ بكل ما يصح تعلق السمع به ويندرج فيه ما يقوله صلّى الله عليه وسلّم الْعَلِيمُ بكل ما يصح تعلق العلم به ويندرج فيه ما يعمله أو ينويه عليه الصلاة والسلام، وفي الجملة الاسمية إشارة إلى أنه سبحانه متصف بما ذكر أزلا وأبدا ولا توقف لذلك على وجود المسموعات والمعلومات في الخارج، والحصر فيها حقيقي أي هو تعالى كذلك لا غيره سبحانه وتعالى.
وكأن الجملة متعلقة بالجملتين الواقعتين في حيز الجزاء جيء بها للتح ريض على القول السابق والتوكل، وجوز أن تكون متعلقة بما في حيز الصلة والمراد منها التحريض على إيقاع الأقوال والأفعال التي في الصلاة على أكمل وجه فتأمل.
وقوله تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ إلخ مسوق لبيان استحالة تنزل الشياطين على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد بيان امتناع تنزلهم بالقرآن، وهذه الجملة وقوله تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ إلخ وقوله سبحانه:
وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ إلخ أخوات وفرق بينهن بآيات ليست في معناهن ليرجع إلى المجيء بهن وتطرية ذكر ما فيهن كرة بعد كرة فيدل بذلك على أن المعنى الذي نزلن فيه من المعاني التي اشتدت عناية الله تعالى بها، ومثاله أن يحدث الرجل بحديث وفي صدره اهتمام بشيء منه وفضل عناية فتراه يعيد ذكره ولا ينفك عن الرجوع إليه، والاستفهام للتقرير وعَلى مَنْ متعلق بتنزل قدم عليه لصدارة المجرور وتقديم الجار لا يضر كما بين في النحو، وقال الزمخشري في ذلك: إن من متضمنة معنى الاستفهام وليس معنى التضمن أن الاسم دل على معنيين معا معنى الاسم ومعنى الحرف وإنما معناه أن الأصل أمن فحذف حرف الاستفهام واستمر الاستعمال على حذفه كما حذف من هل والأصل أهل كما قال:
سائل فوارس يربوع بشدتنا ... أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم
فإذا أدخلت حرف الجر على من فقدر الهمزة قبل حرف الجر في ضميرك كأنك تقول: أعلى من تنزل الشياطين كقولك: أعلى زيد مررت اه. وتعقبه صاحب الفرائد بقوله: يشكل ما ذكر بقولهم: من أين أنت ومن أين جئت وقوله تعالى: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ [عبس: ١٨] وقوله فيم: وبم ومم وحتام ونحوها. وأجاب صاحب