للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزاهدين، ولا يخفى أنه يبعد الحمل المذكور التعبير بيمتلىء فإن الكثير والقليل مما فيه فحش أو هجو لسيد الخلق صلى الله تعالى عليه وسلم سواء، وما أحسن قول الماوردي: الشعر في كلام العرب مستحب ومباح ومحظور فالمستحب ما حذر من الدنيا ورغب في الآخرة وحث على مكارم الأخلاق والمباح ما سلم من فحش أو كذب والمحظور نوعان كذب وفحش وهما جرح في قائله وأما منشده فإن حكاه اضطرارا لم يكن جرحا أو اختيارا جرح، وتبعه على ذلك الروياني وجعل الروياني ما فيه الهجو لمسلم سواء كان بصدق أو كذب من المحظور أيضا، ووافقه جماعة إلا أن إثم الصادق أخف من إثم الكاذب كما قال القمولي. وإثم الحاكي على ما قال الرافعي دون إثم المنشد، وقال الأذرعي: ليس هذا على إطلاقه بل إذا استوى الحاكي والمنشد أما إذا أنشده ولم يذعه فأذاعه الحاكي فإثمه أشد بلا شك، واحترز بقيد المسلم عما فيه الهجو لكافر فإن فيه تفصيلا.

وفصل بعضهم ما فيه الهجو لمسلم أيضا وذلك أن كثيرا من العلماء أطلقوا جواز هجو الكافر استدلالا بأمره صلى الله تعالى عليه وسلّم حسانا ونحوه بهجو المشركين، وقال بعضهم: محل ذلك الكفار على العموم وكذا المعين الحربي ميتا كان أو حيا حيث لم يكن له قريب معصوم يتأذى به، وأما الذمي أو المعاهد أو الحربي الذي له قريب ذمي أو مسلم يتأذى به فلا يجوز هجوه كما قاله الأذرعي وابن العماد وغيرهما وقالوا: إن هجو حسان وإن كان في معين لكنه في حربي، وعلى التنزل فهو ذب عن رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم فيكون من القرب فضلا عن المباحات، وألحق الغزالي وتبعه جمع المبتدع بالحربي فيجوز هجوه ببدعته لكن لمقصد شرعي كالتحذير من جهته، وجوز ابن العماد هجو المرتد دون تارك الصلاة والزاني المحصن. وما قاله في المرتد واضح لأنه كالحربي بل أقبح وفي الأخيرين محله حيث لم يتجاهر أما المتجاهر بفسقه فيجوز هجوه بما تجاهر به فقط لجواز غيبته بذلك فقط.

وقال البلقيني: الأرجح تحريم هجو المتجاهر المذكور لا لقصد زجره لأنه قد يتوب وتبقى وصمة الشعر السائر عليه ولا كذلك الكافر إذا أسلم. ورد بأن مجاهرته بالمعصية وعدم مبالاته بالناس وكلامهم فيه صيراه غير مجترم ولا مراعى فهو المهدر لحرمة نفسه بالنسبة لما تجاهر به فلم يبال ببقاء تلك الوصمة عليه.

نعم لو قيل بحرمة إنشاده بعد التوبة إذا كان يتأذى به هو أو قريبه المسلم أو الذي أو بعد موته إذا كان يتأذى به من ذكر لم يبعد، وذكر جماعة أن من جملة المحظور أيضا ما فيه تشبيب بغلام ولو غير معين مع ذكر أنه يعشقه أو بامرأة أجنبية معينة وإن لم يذكرها بفحش أو بامرأة مبهمة مع ذكرها بالفحش ولم يفرقوا بين إنشاء ذلك وإنشاده، واعتبر بعضهم التعيين في الغلام كالمرأة فلا يحرم التشبيب بمبهم.

قال الأذرعي وهو الأقرب والأول ضعيف جدا، وقال أيضا: يجب القطع بأنه إذا شبب بحليلته ولم يذكر سوى المحبة والشوق أو ذكر شيئا من التشبيهات الظاهرة أنه لا يضر وكذا إذا ذكر امرأة مجهولة ولم يذكر سوءا.

وفي الإحياء في حرمة التشبيب بنحو وصف الخدود والأصداغ وسائر أوصاف النساء نظر، والصحيح أنه لا يحرم نظمه ولا إنشاده بصوت وغير صوت. وعلى المستمع أن (١) ينزله على امرأة معينة فإن نزله على حليلته جاز أو على غيرها فهو العاصي بالتنزيل ومن هذا وصفه فينبغي أن يجتنب السماع، وذكر بعض الفضلاء أن ما يحرم إنشاؤه قد لا تحرم روايته فإن المغازي روي فيها قصائد الكفار الذين هاجوا فيها الصحابة رضي الله تعالى عنهم ولم ينكر ذلك


(١) قوله أن ينزله إلخ كذا بخطه ولعل المناسب أن لا ينزله بحرف النفي اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>