صخرة قد غطيت بها لا يطيقها نفر. قال: فانطلقا فأريانيها. فانطلقا معه فقال بالصخرة بيده فنحاها ثم استقى لهما سجلا واحدا فسقى الغنم ثم أعاد الصخرة إلى مكانها
ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ الذي كان هناك وهو على ما روي عن ابن مسعود ظل شجرة قيل: كانت سمرة، وقيل: هو ظل جدار لا سقف له.
وقيل: إنه عليه السلام جعل ظهره يلي ما كان يلي وجهه من الشمس، وهو المراد بقوله تعالى: ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ وهو كما ترى فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ أي لأي شيء تنزله من خزائن كرمك إليّ.
مِنْ خَيْرٍ جل أو قل فَقِيرٌ أي محتاج وهو خبر إن وبه يتعلق لما، ولما أشرنا إليه من تضمنه معنى الاحتياج عدي باللام، وجوز أن يكون مضمنا معنى الطلب واللام للتقوية، وقيل: يجوز أن تكون للبيان فتتعلق بأعني محذوفا، و (ما) على جميع الأوجه نكرة موصوفة، والجملة بعدها صفتها، والرابط محذوف، ومن خير بيان لها، والتنوين فيه للشيوع، والكلام تعريض لما يطعمه لما ناله من شدة الجوع والتعبير بالماضي بدل المضارع في أنزلت للاستعطاف كالافتتاح برب، وتأكيد الجملة للاعتناء، ويدل على كون الكلام تعريضا لذلك ما
أخرجه ابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: «قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لما سقى موسى عليه السلام للجاريتين ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير إنه يومئذ فقير إلى كف من تمر» .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والضياء في المختارة عن ابن عباس قال: «لقد قال موسى عليه السلام رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير وهو أكرم خلقه عليه ولقد افتقر إلى شق تمرة ولقد لصق بطنه بظهره من شدة الجوع»
وفي رواية أخرى عنه «أنه عليه السلام سأل فلقا من الخبز يشد بها صلبه من الجوع وكان عليه السلام قد ورد ماء مدين»
وأنه كما روى أحمد في الزهد وغيره عن الحبر ليتراءى خضرة البقل من بطنه من الهزال وإلى كون الكلام تعريضا لذلك ذهب مجاهد وابن جبير، وأكثر المفسرين
وكان علي كرّم الله تعالى وجهه يقول: والله ما سأل إلا خبزا يأكله
، وجوز أن تكون اللام للتعليل وما موصولة ومن للبيان والتنكير في خير لإفادة النوع والتعظيم، وصلة فقير مقدرة أي إني فقير إلى الطعام أو من الدنيا لأجل الذي أنزلته إليّ من خير الدين وهو النجاة من الظالمين فقد كان عليه السلام عند فرعون في ملك وثروة وليس الغرض عليه التعريض لما يطعمه ولا التشكي والتضجر بل إظهار التبجح والشكر على ذلك، ووجه التعبير بالماضي عليه ظاهر.
وأنت تعلم أن هذا خلاف المأثور الذي عليه الجمهور، ومثله في ذلك ما روي عن الحسن أنه عليه السلام سأل الزيادة في العلم والحكمة ولا يخلو أيضا عن بعد. وجاء عن ابن عباس أن الامرأتين سمعتا ما قال فرجعتا إلى أبيهما فاستنكر سرعة مجيئهما فسألهما فأخبرتاه فقال لإحداهما: انطلقي فادعيه فَجاءَتْهُ إِحْداهُما قيل هي الكبرى منهما وقيل الصغرى وكانتا على ما في بعض الروايات توأمتين ولدت إحداهما قبل الأخرى بنصف نهار. وقرأ ابن محيصن «حداهما» بحذف الهمزة تخفيفا على غير قياس مثل ويلمه في ويل أمه تَمْشِي حال من فاعل جاءت.
وقوله تعالى: عَلَى اسْتِحْياءٍ متعلق بمحذوف هو حال من ضمير تمشي أي جاءته ماشية كائنة على استحياء فمعناه أنها كانت على استحياء حالتي المشي والمجيء معا لا عند المجيء فقط، وتنكير استحياء للتفخيم. ومن هنا قيل جاءت متخفرة أي شديدة الحياء. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن أبي الهذيل عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال جاءت مستترة بكم درعها على وجهها وأخرجه ابن المنذر عن أبي الهذيل موقوفا عليه وفي رفعه إلى عمر رواية أخرى صححها الحاكم بلفظ واضعة ثوبها على وجهها قالَتْ استئناف مبني على سؤال نشأ من حكاية مجيئها إياه عليه السلام كأنه قيل: فماذا قالت له عليه السلام؟ فقيل قالت: