للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالإنسان مثل ما فعل، ومنه سمي المقص مقصا لتعادل جانبيه، والقصة قصة لأن الحكاية تساوي المحكي، والقصاص قصاصا لأنه يذكر مثل أخبار الناس، والْقَتْلى جمع قتيل كجريح وجرحى، وقرىء- كتب- على البناء للفاعل، والْقِصاصُ بالنصب وليس في إضمار المتعين المتقرر قبل ذكره إضمار قبل الذكر الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى جملة مبينة لما قبلها أي الحر يقتص بالحر، وقيل: مأخوذ به

روي أنه كان في الجاهلية بين حيين من أحياء العرب دماء وكان لأحدهما طول على الآخر فأقسموا لنقتلن الحر منهم بالعبد والذكر بالأنثى فلما جاء الإسلام تحاكموا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فنزلت فأمرهم (١) أن يتباؤوا،

فالآية كما تدل على أن لا يقتل العبد بالحر والأنثى بالذكر لأن مفهوم المخالفة إنما يعتبر إذا لم يعلم نفيه بمفهوم الموافقة وقد علم من قتل العبد بالعبد وقتل الأنثى بالأنثى أنه يقتل العبد بالحر والأنثى بالذكر بطريق الأولى كذلك لا تدل على أن لا يقتل الحر بالعبد والذكر بالأنثى لأن مفهوم المخالفة كما هو مشروط بذلك الشرط مشروط بأن لا يكون للتخصيص فائدة أخرى، والحديث بين الفائدة وهو المنع من التعدي وإثبات المساواة بين حر وحر وعبد وعبد فمنع الشافعي ومالك قتل الحر بالعبد سواء كان عبده أو عبد غيره ليس للآية بل للسنة والإجماع والقياس، أما الأول

فقد أخرج ابن أبي شيبة عن علي رضي الله تعالى عنه «أن رجلا قتل عبده فجلده الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ونفاه سنة ولم يقده به»

وأخرج أيضا أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال «من السنة أن لا يقتل مسلم بذي عهد ولا حر بعبد»

وأما الثاني فقد روي أن أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما كانا لا يقتلان الحر بالعبد بين أظهر الصحابة ولم ينكر عليهما أحد منهم وهم الذين لم تأخذهم في الله تعالى لومة لائم. وأما الثالث فلأنه لا قصاص في الأطراف بين الحر والعبد بالاتفاق فيقاس القتل عليه، وعند إمامنا الأعظم رضي الله تعالى عنه يقتل الحر بالعبد

لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: «المسلمون تتكافأ دماؤهم»

ولأن القصاص يعتمد المساواة في العصمة وهي بالدين أو بالدار وهما سيان فيهما، والتفاضل في الأنفس غير معتبر بدليل أن الجماعة لو قتلوا واحدا قتلوا به ولقوله تعالى: أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [المائدة: ٤٥] وشريعة من قبلنا إذا قصت علينا من غير دلالة على نسخها فالعمل بها واجب على أنها شريعة لنا، ومن الناس من قال: إن الآية دالة على ما ذهب إليه المخالف لأن الْحُرُّ بِالْحُرِّ بيان وتفسير لقوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى فدل على أن رعاية التسوية في- الحرية والعبدية- معتبرة، وإيجاب الْقِصاصُ على- الحر- بقتل الْعَبْدُ إهمال لرعاية التسوية في ذلك المعنى، ومقتضى هذا أن لا يقتل الْعَبْدُ إلا بِالْعَبْدِ ولا تقتل الْأُنْثى إلا بِالْأُنْثى إلا أن المخالف لم يذهب إليه، وخالف الظاهر للقياس والإجماع، ومن سلم هذا منا ادعى نسخ الآية بقوله تعالى: أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ لأنه لعمومه نسخ اشتراط المساواة في الحرية والذكورة المستفادة منها، وهو المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وسعيد بن المسيب والشعبي والنخعي والثوري وأورد عليه أن الآية حكاية ما في التوراة وحجية حكاية شرع من قبلنا مشروطة بأن لا يظهر ناسخه كما صرحوا به، وهو يتوقف على أن لا يوجد في القرآن ما يخالف المحكي إذ لو وجد ذلك كان ناسخا له لتأخره عنه فتكون الحكاية حكاية المنسوخ، ولا تكون حجة فضلا عن أن تكون ناسخا، وبعد تسليم الدلالة يوجد الناسخ كما لا يخفى هذا، وذهب ساداتنا الحنفية والمالكية وجماعة إلى أنه ليس للولي إلا


(١) إن كان الحيان كفارا كما يشعر به لفظ التحاكم. ويدل عليه ما في المغني أنهم قريظة، والنضير فالأمر بالتساوي ظاهر، وإن كانوا مسلمين كما يدل عليه ما في الدر المنظوم- فمعنى الأمر به أن ما مضى سواء بسواء، وأن ما أقسموا عليه يجب أن ينتهوا عنه فلا يرد أن الإسلام يجب ما قبله اهـ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>