القصاص ولا يأخذ الدية إلا برضا القاتل لأن الله تعالى ذكر في الخطأ الدية فتعين أن يكون القصاص فيما هو ضد الخطأ وهو العمد ولما تعين بالعمد لا يعدل عنه لئلا يلزم الزيادة على النص بالرأي، واعترض بأن منطوق النص وجوب رعاية المساواة في القود وهو لا يقتضي وجوب أصل القود، وأجيب بأن القصاص وهو القود بطريق المساواة يقتضي وجوبهما فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ أي ما يسمى شيئا من العفو والتجاوز ولو أقل قليل فالمصدر المبهم في حكم الموصوف فيجوز نيابته عن الفاعل وله مفعول به، ومِنْ أَخِيهِ يجوز أن يتعلق بالفعل ويجوز أن يكون حالا من شيء، وفي إقامة شيء مقام الفاعل على إشعار بأن بعض العفو كأن يعفى عن بعض الدم أو يعفو عنه بعض الورثة كالعفو التام في إسقاط القصاص لأنه لا يتجزأ، والمراد بالأخ وليّ الدم سماه أخا استعطافا بتذكير إخوة البشرية والدين، وقيل: المراد به المقتول، والكلام على حذف مضاف أي من دم أخيه، وسماه أخا القاتل للإشارة إلى أن أخوة الإسلام بينهما لا تنقطع بالقتل، وعُفِيَ تعدى إلى الجاني وإلى الجناية بعن يقال: عفوت عن زيد وعن ذنبه- وإذا عديت إلى الذنب مرادا سواء كان مذكورا أولا كما في الآية عدي إلى الجاني «باللام» لأن التجاوز عن الأول والنفع للثاني فالقصد هنا إلى التجاوز عن الجناية إلا أنه ترك ذكرها لأن الاهتمام بشأن الجاني، وقدر بعضهم- عن- هذه داخلة على شيء لكن لما حذفت ارتفع لوقوعه موقع الفاعل، وهو من باب الحذف والإيصال المقصور على السماع، ومن الناس من فسر عُفِيَ بترك فهو حينئذ متعد أقيم مفعوله مقام فاعله، واعترض بأنه لم يثبت- عفا- الشيء بمعنى تركه، وإنما الثابت أعفاه، ورد بأنه ورد، ونقله أئمة اللغة المعول عليهم في هذا الشأن وهو وإن لم يشتهر إلا أن إسناد المبني للمجهول إلى المفعول الذي هو الأصل يرجح اعتباره ويجعله أولى من المشهور لما أن فيه إسناد المجهول للمصدر وهو خلاف الأصل، والقول بأن شَيْءٌ مرفوع- بترك- محذوفا يدل عليه عُفِيَ ليس بشيء لأنه بعد اعتبار معنى العفو لا حاجة إلى معنى الترك بل هو ركيك كما لا يخفى فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ أي فليكن- اتباع- أو فالأمر- اتباع- والمراد وصية العافي بأن لا يشدد في طلب الدية على المعفو له وينظره إن كان معسرا ولا يطالبه بالزيادة عليها والمعفو بأن لا يمطل العافي فيها ولا يبخس منها ويدفعها عند الإمكان، وإلى هذا ذهب ابن عباس رضي الله تعالى عنه والحسن وقتادة ومجاهد، وقيل: المراد فعلى المعفو له الاتباع والأداء، والجملة خبر مِنْ على تقدير موصوليتها، وجواب الشرط على تقدير شرطيتها، وربما يستدل بالآية على أن مقتضى العمد القصاص وحده حيث رتب الأمر بأداء الدية على العفو المرتب على وجوب القصاص، واستدل بها بعضهم على أن الدية أحد مقتضى العمد وإلا لما رتب الأمر بأداء الدية على مطلق العفو الشامل للعفو عن كل الدم وبعضه بل يشترط رضا القاتل وتقييده بالبعض، واعترض بأنه إنما يتم لو كان التنوين في شيء للإبهام أي شيء من العفو أي شيء كان ككله أو بعضه أما لو كان للتقليل فلا إذ يكون الأمر بالأداء مرتبا على بعض العفو ولا شك أنه إذا تحقق عن الدم يصير الباقي مالا وإن لم يرض القاتل، وأيضا الآية نزلت في الصلح وهو الموافق للأم فإن عفا إذا استعملت بها كان معناها البدل أي فمن أعطى له من جهة أخيه المقتول شيء من المال بطريق الصلح فلمن أعطى وهو الولي مطالبة البدل عن مجاملة وحسن معاملة إلا أن يقال: إنها نزلت في- العفو- كما هو ظاهر اللفظ، وبه قال أكثر المفسرين.
ذلِكَ أي الحكم المذكور في ضمن بيان العفو والدية تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ لما في شرعية العفو تسهيل على القاتل، وفي شرعية- الدية- نفع لأولياء المقتول، وعن مقاتل أنه كُتِبَ على اليهود الْقِصاصُ وحده، وعلى النصارى- العفو- مطلقا وخير هذه الأمة بين الثلاث تيسيرا عليهم وتنزيلا للحكم على حسب المنازل وعلى هذا يكون فَمَنْ تَصَدَّقَ بيانا لحكم هذه الشريعة بعد حكاية حكم كان في التوراة، وليس داخلا تحت