للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حقه، وتحمل التنجية على إخراجه من بين القوم وفصله عنهم وحفظه مما يصيبهم فإنها بهذا المعنى الفرد الأكمل، ويلائم هذا ما قيل في قوله تعالى: إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ أي من الباقين في القرية وهو أحد تفسيرين، ثانيهما ما روي عن قتادة وهو تفسيره الغابرين بالباقين في العذاب فتأمل، فكلام الله تعالى ذو وجوه، وفسر الأهل هنا بأتباع لوط عليه السلام المؤمنين، وجملة كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ مستأنفة وقد مر الكلام في ذلك وكذا في الاستثناء فارجع إليه وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا المذكورون بعد مفارقتهم إبراهيم عليه السلام لُوطاً سِيءَ بِهِمْ أي اعتراه المساءة والغم بسبب الرسل مخافة أن يتعرض لهم قومه بسوء كما هو عادتهم مع الغرباء، وقد جاؤوا إليه عليه السلام بصور حسنة إنسانية.

وقيل: ضمير بِهِمْ للقوم أي سيء بقومه لما علم من عظيم البلاء النازل بهم، وكذا ضمير بِهِمْ الآتي وليس بشيء، وأَنْ مزيدة لتأكيد الكلام التي زيدت فيه فتؤكد الفعلين واتصالهما المستفاد من لما حتى كأنهما وجدا في جزء واحد من الزمان فكأنه قيل: لما أحس بمجيئهم فاجأته المساءة من غير ريث.

وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً أي وضاق بشأنهم وتدبير أمرهم ذرعه أي طاقته كقولهم: ضاقت يده، ويقابله رحب ذرعه بكذا إذا كان مطيقا له قادرا عليه، وذلك أن طويل الذراع ينال ما لا يناله قصير الذراع.

وَقالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ عطف على سيء، وجوز أن يكون عطفا على مقدر أي قالوا: إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ [هود: ٨١] وقالوا إلخ، وأيا ما كان فالقول كان بعد أن شاهدوا فيه مخايل التضجر من جهتهم وعاينوا أنه عليه السلام قد عجز عن مدافعة قومه حتى آلت به الحال إلى أن قال: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ [هود: ٨٠] والخوف للمتوقع والحزن للواقع في الأكثر، وعليه فالمعنى لا تخف من تمكنهم منا ولا تحزن على قصدهم إيانا وعدم اكتراثهم بك، ونهيهم عن الخوف من التمكن إن كان قبل إعلامهم إياه أنهم رسل الله تعالى فظاهر، وإن كان بعد الإعلام فهو لتأنيسه وتأكيد ما أخبروه به.

وقال الطبرسي: المعنى لا تخف علينا وعليك ولا تحزن بما نفعله بقومك إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ فلا يصيبكم ما يصيبهم من العذاب إِلَّا امْرَأَتَكَ إنها كانَتْ في علم الله تعالى مِنَ الْغابِرِينَ وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب «لننجينه» و «منجوك» بالتخفيف من الإنجاء، ووافقهم ابن كثير في الثاني.

وقرأ الجمهور بشد نون التوكيد، وفرقه بتخفيفها، وأيا ما كان فمحل الكاف من منجوك الجر بالإضافة ولذا حذفت النون عند سيبويه و «أهلك» منصوب على إضمار فعل أي وننجي أهلك، وذهب الأخفش وهشام إلى أن الكاف في محل النصب وأهلك معطوف عليه وحذفت النون لشدة طلب الضمير الاتصال بما قبله للإضافة، وقال بعض الأجلة: لا مانع من أن يكون لمثل هذا الكاف محلان الجر والنصب ويجوز العطف عليها بالاعتبارين، وقرأ نافع وابن كثير والكسائي «سيء» بإشمام السين الضم، وقرأ عيسى وطلحة «سوء» بضمها وهي لغة بني هذيل وبني دبير يقولون في نحو قيل وبيع قول وبوع وعليه قوله:

حوكت على نولين إذ تحاك ... تختبط الشوك ولا تشاك

إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ استئناف مسوق لبيان ما أشير إليه بوعد التنجية من نزول العذاب عليهم، والرجز العذاب الذي يقلق المعذب أي يزعجه من قولهم: ارتجز إذا ارتجس واضطرب وقرأ ابن عامر «منزّلون» بالتشديد. وابن محيصن «رجزا» بضم الراء بِما كانُوا يَفْسُقُونَ أي بسبب فسقهم المعهود المستمر،

<<  <  ج: ص:  >  >>