كالنص في أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كتب بنفسه فالعدول عنه إلى غيره مجاز لا ضرورة إليه ثم قال: وقد طال كلام كل فرقة في هذه المسألة وشنعت كل فرقة على الأخرى في هذا فالله تعالى أعلم.
ورأيت في بعض الكتب ولا أدري الآن أي كتاب هو أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لم يكن يقرأ ما يكتب لكن إذا نظر إلى المكتوب عرف ما فيه بإخبار الحروف إياه عليه الصلاة والسلام عن أسمائها فكل حرف يخبره عن نفسه أنه حرف كذا وذلك نظير إخبار الذراع إياه صلى الله تعالى عليه وسلم بأنها مسمومة.
وأنت تعلم أن مثل هذا لا يقبل بدون خبر صحيح ولم أظفر به بَلْ هُوَ أي القرآن، وهذا إضراب عن ارتيابهم، أي ليس القرآن مما يرتاب فيه لوضوح أمره بل هو آياتٌ بَيِّناتٌ واضحات ثابتة راسخة فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ من غير أن يلتقط من كتاب يحفظونه بحيث لا يقدر على تحريفه بخلاف غيره من الكتب، وجاء في وصف هذه الأمة صدورهم أناجيلهم، وكون ضمير هو للقرآن هو الظاهر، ويؤيده قراءة عبد الله «بل هي آيات بينات» ، وقال قتادة: الضمير للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقرأ «بل هو آية بينة» على التوحيد، وجعله بعضهم له عليه الصلاة والسلام على قراءة الجمع على معنى بل النبي وأموره آيات، وقيل: الضمير لما يفهم من النفي السابق أي كونه لا يقرأ لا يخط آيات بينات في صدور العلماء من أهل الكتاب لأن ذلك نعت النبي عليه الصلاة والسلام في كتابهم، والكل كما ترى، وفي الأخير حمل الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ على علماء أهل الكتاب وهو مروي عن الضحاك والأكثرون على أنهم علماء الصحابة أو النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وعلماء أصحابه، وروي هذا عن الحسن
وروى بعض الإمامية عن أبي جعفر وأبي عبد الله رضي الله تعالى عنهما أنهم الأئمة من آل محمد صلّى الله عليه وسلم
وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا مع كونها كما ذكر إِلَّا الظَّالِمُونَ المتجاوزون للحد في الشر والمكابرة والفساد وَقالُوا أي كفار قريش بتعليم بعض أهل الكتاب.
وقيل: الضمير لأهل الكتاب لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ مثل ناقة صالح وعصا موسى، وقرأ أكثر أهل الكوفة «آية» على التوحيد قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ ينزلها حسبما يشاء من غير دخل لأحد في ذلك قطعا وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ليس من شأني إلا الإنذار بما أوتيت من الآيات لا الإتيان بما اقترحتموه فالقصر قصر قلب أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ كلام مستأنف وارد من جهته تعالى ردا على اقتراحهم وبيانا لبطلانه والهمزة للإنكار والنفي والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أقصر ولم يكفهم آية مغنية عن سائر الآيات أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ الناطق بالحق المصدق لما بين يديه من الكتب السماوية وأنت بمعزل من مدارستها وممارستها يُتْلى عَلَيْهِمْ تدوم تلاوته عليهم متحدين به فلا يزال معهم آية ثابتة لا تزول ولا تضمحل كما تزول كل آية بعد كونها، وقيل: يُتْلى عَلَيْهِمْ أي أهل الكتاب بتحقيق ما في أيديهم من نعتك ونعت دينك، وله وجه إن كان ضمير قالوا فيما تقدم لأهل الكتاب وأما إذا كان لكفار قريش فلا يخفى ما فيه.
إِنَّ فِي ذلِكَ أي الكتاب العظيم الشأن الباقي على ممر الدهور، وقيل: الذي هو حجة بينة لَرَحْمَةً أي نعمة عظيمة وَذِكْرى أي تذكرة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ أي همهم الإيمان لا التعنت فالجار والمجرور متعلق بذكرى والفعل مراد به الاستقبال، ويجوز أن يكون رحمة وَذِكْرى مما تنازعا في الجار والمجرور فيجوز أن يكون الفعل للحال،
وأخرج الفريابي، والدارمي، وأبو داود في مراسيله، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن يحيى بن جعدة قال: «جاء ناس من المسلمين بكتف قد كتبوا فيها بعض ما سمعوه من اليهود فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: كفى بقوم حمقا أو ضلالة أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إليهم إلى ما جاء به غيره إلى غيرهم فنزلت أَوَلَمْ