كفر فضرر كفره عائد عليه لأنه تعالى غني لا يحتاج إلى الشكر ليتضرر سبحانه بالكفر محمود بحسب الاستحقاق أو بنطق ألسنة الحال فكلا الوصفين متعلقات بالشق الثاني، وجوز أن يكون غَنِيٌّ تعليلا لقوله سبحانه: فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وقوله عزّ وجلّ: حَمِيدٌ تعليلا للجواب المقدر للشرط بقرينة مقابله وهو فإنما يكفر على نفسه، وأن يكون كل منهما متعلقا بكل منهما، ولا يخفى ما في ذلك من التكلف الذي لم يدع إليه ولم تقم عليه قرينة فتدبر.
وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ تاران على ما قال الطبري، والقتيبي، وقيل: ما ثان بالمثلثة، وقيل: أنعم، وقيل: أشكم وهما بوزن أفعل، وقيل: مشكم بالميم بدل الهمزة، وَإِذْ معمول لا ذكر محذوفا، وقيل: يحتمل أن يكون ظرفا لآتينا والتقدير وآتيناه الحكمة إذا قال واختصر لدلالة المقدم عليه، وقوله تعالى: وَهُوَ يَعِظُهُ جملة حالية، والوعظ- كما قال الراغب- زجر مقترن بتخويف، وقال الخليل، هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب يا بُنَيَّ تصغير اشفاق ومحبة لا تصغير تحقير:
ولكن إذا ما حب شيء تولعت ... به أحرف التصغير من شدة الوجد
وقال آخر:
ما قلت حبيبي من التحقير ... بل يعذب اسم الشيء بالتصغير
وقرأ البزي هنا «يا بنيّ» بالسكون وفيما بعد «يا بني إنها» بكسر الياء ويا بُنَيَّ أَقِمِ [لقمان: ١٧] بفتحها، وقنبل بالسكون في الأولى والثالثة والكسر في الوسطى، وحفص، والمفضل عن عاصم بالفتح في الثلاثة على تقدير يا بنيا والاجتزاء بالفتحة عن الألف، وقرأ باقي السبعة بالكسر فيها لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ قيل: كان ابنه كافرا ولذا نهاه عن الشرك فلم يزل يعظه حتى أسلم، وكذا قيل في امرأته.
وأخرج ابن أبي الدنيا في نعت الخائفين عن الفضل الرقاشي قال: ما زال لقمان يعظ ابنه حتى مات.
وأخرج عن حفص بن عمر الكندي قال: وضع لقمان جرابا من خردل وجعل يعظ ابنه موعظة ويخرج خردلة فنفذ الخردل فقال: يا بني لقد وعظتك موعظة لو وعظتها جبلا لتفطر فتفطر ابنه، وقيل: كان مسلما والنهي عن الشرك تحذير له عن صدوره منه في المستقبل، والظاهر أن الباء متعلق بما عنده، ومن وقف على لا تُشْرِكْ جعل الباء للقسم أي أقسم بالله تعالى إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ والظاهر أن هذا من كلام لقمان ويقتضيه كلام مسلم في صحيحه، والكلام تعليل للنهي أو الانتهاء عن الشرك، وقيل: هو خير من الله تعالى شأنه منقطع عن كلام لقمان متصل به في تأكيد المعنى، وكون الشرك ظلما لما فيه من وضع الشيء في غير موضعه وكونه عظيما لما فيه من التسوية بين من لا نعمة إلا منه سبحانه ومن لا نعمة له.
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إلخ كلام مستأنف اعترض به على نهج الاستطراد في أثناء وصية لقمان تأكيدا لما فيه من النهي عن الإشراك فهو من كلام الله عزّ وجلّ لم يقله سبحانه للقمان، وقيل: هو من كلامه تعالى قاله جلّ وعلا له وكأنه قيل: قلنا له أشكر وقلنا له وصينا الإنسان إلخ، وفي البحر لما بين لقمان لابنه أن الشرك ظلم ونهاه عنه كان ذلك حثا على طاعة الله تعالى ثم بين أن الطاعة أيضا تكون للأبوين وبين السبب في ذلك فهو من كلام لقمان مما وصى به ابنه أخبر الله تعالى عنه بذلك، وكلا القولين كما ترى، والمعنى وأمرنا الإنسان برعاية والديه حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً أي ضعفا عَلى وَهْنٍ أي ضعف، والمصدر حال من أُمُّهُ بتقدير مضاف أي ذات وهن وجوز جعله نفسه حالا مبالغة لكنه مخالف للقياس إذ القياس في الحال كونه مشتقا، ويجوز أن يكون مفعولا لا مطلقا لفعل مقدر أي تهن وهنا، والجملة حال من أُمُّهُ أيضا.