وأيا ما كان فالمراد تضعف ضعفا متزايدا بازدياد ثقل الحمل إلى مدة الطلق، وقيل: ضعفا متتابعا وهو ضعف الحمل وضعف الطلق وضعف النفاس، وجوز أن يكون حالا من الضمير المنصوب في حَمَلَتْهُ العائد على الْإِنْسانَ وهو الذي يقتضيه ما أخرجه ابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد أنه قال: وَهْناً الولد عَلى وَهْنٍ الوالدة وضعفها، والمراد أنها حملته حال كونه ضعيفا على ضعيف مثله، وليس المراد أنها حملته حال كونه متزايد الضعف ليقال أن ضعفه لا يتزايد بل ينقص. وقرأ عيسى الثقفي، وأبو عمرو في رواية وَهْناً عَلى وَهْنٍ بفتح الهاء فيهما فاحتمل أن يكون من باب تحريك العين إذا كانت حرف حلق كالشعر والشعر على القياس المطرد عند الكوفي كما ذهب إليه ابن جني، وأن يكون مصدر وهن بكسر الهاء يوهن بفتحها فإن مصدره جاء كذلك وهذا كما يقال تعب يتعب تعبا كما قيل، وكلام صاحب القاموس ظاهر في عدم اختصاص أحد المصدرين بأحد الفعلين قال:
الوهن الضعف في العمل ويحرك والفعل كوعد وورث وكرم.
وَفِصالُهُ أي فطامه وترك إرضاعه. وقرأ الحسن، وأبو رجاء وقتادة، والجحدري، ويعقوب «وفصله» وهو أعم من الفصال، والفصال هاهنا أوقع من الفصل لأنه موقع يختص بالرضاع وإن رجعنا إلى أصل واحد على ما قاله الطيبي فِي عامَيْنِ أي في انقضاء عامين أي في أول زمان انقضائهما، وظاهر الآية أن مدة الرضاع عامان وإلى ذلك ذهب الإمام الشافعي، والإمام أحمد، وأبو يوسف، ومحمد، وهو مختار الطحاوي. وروي عن مالك، وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن مدة الرضاع الذي يتعلق به التحريم ثلاثون شهرا لقوله تعالى: وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً [الأحقاف: ١٥] ، ووجه الاستدلال به أنه سبحانه وتعالى ذكر شيئين وضرب لهما مدة فكانت لكل واحد منهما بكمالها كالأجل المضروب للدينين على شخصين بأن قال: أجلت الدين الذي لي على فلان والدين الذي لي على فلان سنة فإنه يفهم أن السنة بكمالها لكل، أو على شخص بأن قال لفلان على ألف درهم وعشرة أقفزة إلى سنة فصدقه المقر له في الأجل فإذا مضت السنة يتم أجلهما جميعا إلا أنه قام النقص في أحدهما أعني مدة الحمل لقول عائشة الذي لا يقال مثله إلّا سماعا: الولد لا يبقى في بطن أمه أكثر من سنتين ولو بقدر فلكة مغزل فتبقى مدة الفصال على ظاهرها، وما ذكر هنا أقل مدته وفيه بحث أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ تفسير لوصينا كما اختاره النحاس فإن تفسيرية، وجوز أن تكون مصدرية بتقدير لام التعليل قبلها وهو متعلق بوصينا وبلا تقدير على أن يكون المصدر بدلا من- والديه- بدل الاشتمال، وعليه كأنه قيل: وصينا الإنسان بوالديه بشكرهما وذكر شكر الله تعالى لأن صحة شكرهما تتوقف على شكره عزّ وجلّ كما قيل في عكسه لا يشكر الله تعالى من لا يشكر الناس ولذا قرن بينهما في الوصية، وفي هذا من البعد ما فيه، وأما القول بأن الأمر يأبى التفسير والتعليل والبدلية فليس بشيء كما أشرنا إليه قريبا، وعلى الأوجه الثلاثة يكون قوله تعالى: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ- إلى- عامَيْنِ اعتراضا مؤكدا للتوصية في حق الأم خصوصا لذكر ما قاسته في تربيته وحمله، ولذا
قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كما في حديث صحيح رواه الترمذي، وأبو داود عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده لمن سأله عمن يبره: أمك وأجابه عن سؤاله به ثلاث مرات،
وعن بعض العرب أنه حمل أمه إلى الحج على ظهره وهو يقول في حدائه: