فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي ... لها من جراها أنة
وزفير وفي الوضع لو تدري عليها مشقة ... فمن غصص لها الفؤاد
يطير وكم غسلت عنك الأذى بيمينها ... وما حجرها إلا لديك
سرير وتفديك مما تشتكيه بنفسها ... ومن ثديها شرب لديك
نمير وكم مرة جاعت وأعطتك قوتها ... حنوا وإشفاقا وأنت
صغير فآها لذي عقل ويتبع الهوى ... وآها لأعمى القلب وهو
بصير فدونك فارغب في عميم دعائها ... فأنت لما تدعو به لفقير
واختلف في المراد بالشكر المأمور به فقيل هو الطاعة وفعل ما يرضي كالصلاة والصيام بالنسبة إليه تعالى وكالصلة والبر بالنسبة إلى الوالدين، وعن سفيان بن عيينة من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله تعالى ومن دعا لوالديه في أدبارها فقد شكرهما ولعل هذا بيان لبعض أفراد الشكر إِلَيَّ الْمَصِيرُ تعليل لوجوب الامتثال بالأمر أي إلى الرجوع لا إلى غيري فأجازيك على ما صدر عنك مما يخالف أمري.
وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ أي باستحقاقه الإشراك أو بشركته له تعالى في استحقاق العبادة، والجار متعلق بقوله تعالى: عِلْمٌ وما مفعول تُشْرِكَ كما اختاره ابن الحاجب ثم قال: ولو جعل تُشْرِكَ بمعنى الذي يمعنى تكفر وجعلت ما نكرة أو بمعنى كفرا أو الكفر وتكون نصبا على المصدرية لكان وجها حسنا، والكلام عليه أيضا بتقدير مضاف أي وأن جاهدك الوالدان على أن تكفر بي كفرا ليس لك أو الكفر الذي ليس لك بصحته أو بحقيته علم فَلا تُطِعْهُما في ذلك والمراد استمرار نفي العلم لا نفي استمراره فلا يكون الإشراك إلا تقليدا. وفي الكشاف أراد سبحانه بنفي العلم نفي ما يشرك أي لا تشرك بي ما ليس بشيء يريد عزّ وجلّ الأصنام كقوله سبحانه ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ [العنكبوت: ٤٢] وجعله الطيبي على ذلك من باب نفي الشيء بنفي لازمه وذلك ان العلم تابع للمعلوم فإذا كان الشيء معدوما لم يتعلق به موجودا، ونقل عن ابن المنير أنه عليه من باب:
على لاحب لا يهتدى بمناره أي ما ليس باله فيكون لك علم بإلهيته وفي الكشف أن الزمخشري أراد أنه بولغ في نفي الشريك حتى جعل كلا شيء ثم بولغ حتى ما لا يصح أن يتعلق به علم والمعدوم يصح أن يعلم ويصح أن يقال إنه شيء فادخل في سلك المجهول مطلقا وليس من قبيل نفي العلم لنفي وجوده وهذا تقرير حسن وفيه مبالغة عظيمة منه يظهر ترجيح هذا المسلك في هذا المقام على أسلوب:
ولا ترى الضب بها ينجحر اهـ فافهم ولا تغفل وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً أي صحابا معروفا يرتضيه الشرع ويقتضيه الكرم والمروءة كإطعامهما واكسائهما وعدم جفائهما وانتهارهما وعيادتهما إذا مرضا ومواراتهما إذا ماتا، وذكر فِي الدُّنْيا لتهوين أمر الصحبة والإشارة إلى أنها في أيام قلائل وشيكة الانقضاء فلا يضر تحمل مشقتها لقلة أيامها وسرعة انصرامها وقيل للإشارة إلى أن الرفق بهما في الأمور الدنيوية دون الدينية.
وقيل: ذكره لمقابلته بقوله تعالى: «ثم إليّ مرجعكم» وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ أي رجع إِلَيَّ بالتوحيد والإخلاص بالطاعة، وحاصله اتبع سبيل المخلصين لا سبيلهما ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ أي رجوعك ورجوعهما وزاد