للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اجتماعهما، ألا ترى أن الفاسق يستحق الشكر لإنعامه والذم لمعصية الله تعالى فلم لا يجوز أن يكون الأمر هاهنا كذلك، أما قولنا: المنفعة فلأن المضرة المحضة لا تكون نعمة، وقولنا: المفعولة على جهة الإحسان لأنه لو كان نفعا وقصد الفاعل به نفع نفسه لا نفع المفعول به لا يكون نعمه وذلك كمن أحسن إلى جاريته ليربح عليها اهـ، ويعمل منه حكم زيادة ويحمد عاقبته ظاهِرَةً وَباطِنَةً أي محسوسة ومعقولة معروفة لكم وغير معروفة، وعن مجاهد النعمة الظاهرة وظهور الإسلام والنصرة على الأعداء والباطنة الإمداد من الملائكة عليهم السلام، وعن الضحاك الظاهرة حسن الصورة وامتداد القامة وتسوية الأعضاء والباطنة المعرفة، وقيل: الظاهرة البصر والسمع واللسان وسائر الجوارح والباطنة القلب والعقل والفهم، وقيل: الظاهرة نعم الدنيا والباطنة نعم الآخرة، وقيل: الظاهرة نحو إرسال الرسل وإنزال الكتب والتوفيق لقبول الإسلام والإتيان به والثبات على قدم الصدق ولزوم العبودية والباطنة ما أصاب الأرواح في عالم الذر من رشاش نور النور وأول الغيث قطر ثم ينسكب.

ونقل بعض الإمامية عن الباقر رضي الله تعالى عنه أنه قال: الظاهرة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وما جاء به من معرفة الله تعالى وتوحيده والباطنة ولا يتنا أهل البيت وعقد مودتنا

، والتعميم الذي أشرنا إليه أولا أولى، لكن

أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن عطاء قال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله تعالى وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً قال: هذه من كنوز علمي سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال أما الظاهرة فما سوي من خلقك وأما الباطن فما ستر من عورتك ولو أبداها لقلاك أهلك فمن سواهم.

وفي رواية أخرى رواها ابن مردويه، والديلمي، والبيهقي، وابن النجار عن ابن عباس أنه قال: سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن قوله تعالى وَأَسْبَغَ إلخ قال: أما الظاهرة فالإسلام وما سوي من خلقك وما أسبغ عليك من رزقه وأما الباطنة فما ستر من مساوئ عملك

فإن صح ما ذكر فلا يعدل عنه إلى التعميم إلا أن يقال: الغرض من تفسير الظاهرة والباطنة بما فسرنا به التمثيل وهو الظاهر لا التخصيص وإلا لتعارض الخبران.

ثم إن ظاهر هذين الخبرين يقتضي كون الذنب وهو المعبر عنه في الأول بما ستر من العورة وفي الثاني بما ستر من مساوئ العمل نعمة ولم نر في كلامهم التصريح بإطلاقها عليه ويلزمه أن من كثرت ذنوبه كثرت نعم الله تعالى عليه فكان المراد أن النعمة الباطنة هي ستر ما ستر من العورة ومساوئ العمل ولم يقل كذلك اعتمادا على وضوح الأمر، وجاء في بعض الآثار ما يقتضي ذلك، أخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عن مقاتل أنه قال في الآية: ظاهِرَةً الإسلام وَباطِنَةً ستره تعالى عليكم المعاصي، بل جاء في بعض روايات الخبر الثاني وأما ما بطن فستر مساوئ عملك.

وجوز أن يكون ما في ما ستر في الخبرين مصدرية ومن صلة ستر لا بيان لما وقرأ يحيى بن عمارة وأصبغ بالصاد وهي لغة بني كلب يبدلون من السين إذا اجتمعت مع أحد الحروف المستعلية الغين والخاء والقاف صادا فيقولون في سلخ صلخ وفي سقر صقر وفي سائغ صائغ ولا فرق في ذلك بين أن يفصل بينهما فاصل وأن لا يفصل، وظاهر كلام بعضهم أنه لا فرق أيضا بين أن تتقدم السين على أحد تلك الأحرف وأن تتأخر، واشترط آخر تقدم السين، وذكر الخفاجي أنه ابدال مطرد.

وقرأ بعض السبعة وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما «نعمة» بالإفراد وقرىء «نعمته» بالإفراد والإضافة، ووجه الافراد بإرادة الجنس كما قيل ذلك في قوله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها وقال الزجاج: من قرأ «نعمة» فعلى معنى ما أعطاهم من التوحيد ومن قرأ نعمه بالجمع فعلى جميع ما أنعم به عليهم والأول أولى، ونصب ظاهِرَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>