للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه وهو الأنسب بمقام المدح، وجعله استعارة للموت لأنه كنذر لازم مسخ للاستعارة.

وإذهاب برونقها وإخراج للنظم الكريم عن مقتضى المقام بالكلية انتهى، وفيه منع ظاهر كما لا يخفى على المنصف.

والذي يقتضيه ظاهر بعض الأخبار أن النحب هنا بمعنى النذر وقضاؤه أداؤه والوفاء به، فقد أخرج ابن أبي عاصم، والترمذي وحسنه، وابن جرير، الطبراني، وابن مردويه عن طلحة أن أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلم قالوا لأعرابي جاهل: سله عمن قضى نحبه من هو؟ وكانوا لا يجترؤون على مسألته يوقرونه ويهابونه فسأله الأعرابي ثم إني اطلعت من باب المسجد فقال: أين السائل عمن قضى نحبه؟ قال الأعرابي: إن قال هذا ممن قضى نحبه، وأخرج ابن منده، وابن عساكر عن أسماء بنت أبي بكر قالت: دخل طلحة بن عبيد الله على النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم فقال: يا طلحة أنت ممن قضى نحبه، وأخرج الحاكم عن عائشة نحوه.

وأخرج الترمذي وغيره عن معاوية أنه قال: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: طلحة ممن قضى نحبه

، وكأن عليا كرم الله وجهه عنى مدحه بذلك في قوله وقد قيل له حدثنا عن طلحة: ذاك امرؤ نزل فيه آية من كتاب الله فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وقد أخرج ذلك عنه كرم الله تعالى وجهه أبو الشيخ، وابن عساكر وكان رضي الله تعالى عنه قد ثبت يوم أحد حتى أصيبت يده، وإلى حمل النحب على حقيقته ذهب مجاهد فالمعنى منهم وفى بعهده وأدّى نذره وَمِنْهُمْ أي وبعضهم مَنْ يَنْتَظِرُ يوما فيه جهاد فيقضي نحبه ويؤدي نذره ويفي بعهده، ومن حمل ما عاهدوا الله تعالى على العموم وأبقى النحب على حقيقته قال: المعنى منهم من وفى بعهود الإسلام وما يلزم من الطاعات ومنهم من ينتظر الحصول في أعلى مراتب الإيمان والصلاح، واستشكل إبقاء النحب على حقيقته لأن وفاء النذر عين صدق العهد فيكون مآل المعنى من المؤمنين رجال عاهدوا الله تعالى وصدقوا أي فعلوا ووفوا بما عاهدوا الله تعالى عليه فمنهم من فعل ووفى بما عاهد، وفيه تقسيم الشيء إلى نفسه، ويشكل على هذا المعنى قوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ لأن المنتظر غير واف فكيف يجعل قسما من الذين صدقوا أي وفوا، وأجيب بأن المراد بالمصدق في الآية مطابقة النسبة الكلامية للنسبة الخارجة وهذا الكلام المتضمن لهذه النسبة هو ما اقتضاه عهدهم على الثبات من نحو قولهم: لئن أرانا الله مشهدا مع رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم لنثبتن ولنقاتلن، واتصاف الخبر بالصدق، وكذا المخبر به لا يقتضي أكثر من مطابقة نسبته للواقع في أحد الأزمنة فنجو يقوم زيد صادق وكذا المخبر به وقت الأخبار به وإن كان وقوع القيام بعد ألف سنة مثلا، وكذا نحو إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود صادق وإن كان التكلم به ليلا فهؤلاء الرجال لما أخبروا عن أنفسهم إنهم أن أراهم الله تعالى مشهدا مع رسوله عليه الصلاة والسلام ثبتوا وقاتلوا وعلم سبحانه أن هذا مطابق للواقع أخبر تعالى عنهم بأنهم صدقوا ثم قسمهم عزّ وجلّ إلى قسمين قسم أدّى ما أخبر عن نفسه أنه يؤديه وقسم ينتظر وقتا يؤديه فيه، ولا يتصف هذا القسم بالكذب إلّا إذا مات وقد أراه الله تعالى ذلك ولم يؤد، ومن أخبر الله تعالى عنهم بالصدق ما ماتوا حتى أدوا فلا إشكال. نعم الإشكال على تقدير أن يراد بالصدق فيما عاهدوا تحقيق العهد فيما أظهروه من أفعالهم كما فسره الراغب ويراد من قضاء النحب وفاء النذر أو العهد كما لا يخفي، وقيل: المراد بصدقهم المذكور مطابقة ما في ألسنتهم لما في قلوبهم على خلاف المنافقين الذين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم. ولا إشكال في التقسيم حينئذ، وقيل: الصدق بالمعنى المشهور بين الجمهور إلّا أن المراد بصدقوا يصدقون، وعبر عن المضارع بالماضي لتحقق الوقوع، وكلا القولين كما ترى، وعن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله تعالى: قَضى نَحْبَهُ فقال: أجله الذي قدر له

<<  <  ج: ص:  >  >>