زخرفها وهو تخصيص بعد تعميم فَتَعالَيْنَ أي أقبلن بإرادتكن واختياركن لإحدى الخصلتين كما يقال أقبل يخاصمني وذهب يكلمني وقام يهددني، وأصل تعال أمر بالصعود لمكان عال ثم غلب في الأمر بالمجيء مطلقا والمراد هاهنا ما سمعت، وقال الراغب: قال بعضهم إن أصله من العلو وهو ارتفاع المنزلة فكأنه دعاء إلى ما فيه رفعة كقولك: افعل كذا غير صاغر تشريفا للمقول له، وهذا المعنى غير مراد هنا كما لا يخفى أُمَتِّعْكُنَّ أي أعطكن متعة الطلاق، والمتعة للمطلقة التي لم يدخل بها ولم يفرض لها في العقد واجبة عند الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وأصحابه، ولسائر المطلقات مستحبة، وعن الزهري متعتان أحدهما يقضي بها السلطان ويجبر عليها من طلق قبل أن يفرض ويدخل بها والثانية حق على المتقين من طلق بعد ما فرض ودخل. وخاصمت امرأة إلى شريح في المتعة فقال: متعها إن كنت من المتقين ولم يجبره، وعن سعيد بن جبير المتعة حق مفروض، وعن الحسن لكل مطلقة متعة إلا المختلعة والملاعنة، والمتعة درع وحمار وملحفة على حسب السعة والاقتار إلا أن يكون نصف مهرها أقل من ذلك فيجب لها الأقل منهما ولا ينقص من خمسة دراهم لأن أقل المهر معشرة دراهم فلا ينقص من نصفها كذا في الكشاف، وتمام الكلام في الفروع، والفعل مجزوم على أنه جواب الأمر وكذا قوله تعالى: وَأُسَرِّحْكُنَّ وجوز أن يكون الجزم على أنه جواب الشرط ويكون فَتَعالَيْنَ اعتراضا بين الشرط وجزائه، والجملة الاعتراضية قد تقترن بالفاء كما في قوله:
واعلم فعلم المرء ينفعه ... أن سوف يأتي كل ما قدرا
وقرأ حميد الخراز «أمتعكن وأسرحكن» بالرفع على الاستئناف، وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما «أمتعكن» بالتخفيف من أمتع، والتسريح في الأصل مطلق الإرسال ثم كنى به عن الطلاق أي وأطلقكن سَراحاً أي طلاقا جَمِيلًا أي ذا حسن كثير بأن يكون سنيا لا ضرار فيه كما في الطلاق البدعي المعروف عند الفقهاء. وفي مجمع البيان تفسير السراح الجميل بالطلاق الخالي عن الخصومة والمشاجرة، وكان الظاهر تأخير التمتيع عن التسريح لما أنه مسبب عنه إلا أنه قدم عليه إيناسا لهن وقطعا لمعاذيرهن من أول الأمر، وهو نظير قوله تعالى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [التوبة: ٤٣] من وجه ولأنه مناسب لما قبله من الدنيا: وجوز أن يكون في محلة بناء على أن إرادة الدنيا بمنزلة الطلاق والسراح الإخراج من البيوت فكأنه قيل: إن أردتن الدنيا وطلقتن فتعالين أعطكن المتعة وأخرجكن من البيوت إخراجا جميلا بلا مشاجرة ولا إيذاء، ولا يخفى بعده وسبب نزوله الآية على ما قيل: إن أزواجه عليه الصلاة والسلام سألنه ثياب الزينة وزيادة النفقة.
وأخرج أحمد، ومسلم، والنسائي، وابن مردويه من طريق أبي الزبير عن جابر قال: أقبل أبو بكر رضي الله تعالى عنه والناس ببابه جلوس والنبي صلّى الله تعالى عليه وسلم جالس فلم يؤذن له ثم أذن لأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فدخلا والنبي صلّى الله عليه وسلم جالس وحوله نساؤه وهو ساكت فقال عمر: لأكلمن رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم لعله يضحك فقال: يا رسول الله لو أردت ابنة زيد يعني امرأته رضي الله تعالى عنه سألتني النفقة آنفا فوجأت عنقها فضحك النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم حتى بدأ ناجذه وقال: هن حولي سألنني النفقة فقام أبو بكر رضي الله تعالى عنه إلى عائشة ليضربها وقام عمر رضي الله تعالى عنه إلى حفصة كلاهما يقولان: تسألان النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم ما ليس عنده فنهاهما رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقلن نساؤه: والله لا نسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد هذا المجلس ما ليس عنده. وأنزل الله تعالى الخيار فبدأ بعائشة فقال عليه الصلاة والسلام: إني ذاكر لك أمرا ما أحب أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك قالت: ما هو؟ فتلا عليها يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ الآية قالت عائشة: أفيك أستأمر أبوي؟ بل