وقال ابن عطية: الذي يظهر عندي أن الجاهلية الأولى إشارة إلى الجاهلية التي تخصهن فأمرن بالنقلة عن سيرتهن فيها وهي ما كان قبل الشرع من سيرة الكفر وقلة الغيرة ونحو ذلك.
وفي حديث أخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي أنه صلّى الله عليه وسلم قال لأبي ذر وكان قد عير رجلا أمه أعجمية فشكاه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم: يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية
، وفسرها ابن الأثير بالحالة التي عليها العرب قبل الإسلام من الجهل بالله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام وشرائع الدين والمفاخرة بالأنساب والكبر والتجبر وغير ذلك والله تعالى أعلم، وتمسك الرافضة في طعن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وحاشاها من كل طعن بخروجها من المدينة إلى مكة ومنها إلى البصرة وهناك وقعت وقعة الجمل بهذه الآية قالوا: إن الله تعالى أمر نساء النبي صلّى الله عليه وسلم وهي منهن بالسكون في البيوت ونهاهن عن الخروج وهي بذلك قد خالفت أمر الله تعالى ونهيه عزّ وجلّ. وأجيب بأن الأمر بالاستقرار في البيوت والنهي عن الخروج ليس مطلقا وإلا لما أخرجهن صلّى الله عليه وسلم بعد نزول الآية للحج والعمرة ولما ذهب بهن في الغزوات ولما رخص لهن لزيارة الوالدين وعيادة المرضى وتعزية الأقارب وقد وقع كل ذلك كما تشهد به الأخبار، وقد صح أنهن كلهن كن يحججن بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلا سودة بنت زمعة، وفي رواية عن أحمد عن أبي هريرة إلا زينب بنت جحش. وسودة ولم ينكر عليهن أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم الأمير كرّم الله تعالى وجهه وغيره،
وقد جاء في الحديث الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال لهن بعد نزول الآية:«أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن»
فعلم أن المراد الأمر بالاستقرار الذي يحصل به وقارهن وامتيازهن على سائر النساء بأن يلازمن البيوت في أغلب أوقاتهن ولا يكن خراجات ولاجات طوافات في الطرق والأسواق وبيوت الناس، وهذا لا ينافي خروجهن للحج أو لما فيه مصلحة دينية مع التستر وعدم الابتذال، وعائشة رضي الله تعالى عنها، إنما خرجت من بيتها إلى مكة للحج وخرجت معها لذلك أيضا أم سلمة رضي الله تعالى عنها وهي وكذا صفية مقبولة عند الشيعة لكنها لما سمعت بقتل عثمان رضي الله تعالى عنه وانحياز قتلته إلى علي كرّم الله تعالى وجهه حزنت حزنا شديدا واستشعرت اختلال أمر المسلمين وحصول الفساد والفتنة فيما بينهم، وبينما هي كذلك جاءها طلحة والزبير ونعمان بن بشير وكعب بن عجرة في آخرين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم هاربين من المدينة خائفين من قتلة عثمان رضي الله تعالى عنهم لما أنهم أظهروا المباهاة بفعلهم القبيح، وأعلنوا بسب عثمان فضاقت قلوب أولئك الكرام وجعلوا يستقبحون ما وقع ويشنعون على أولئك السفلة ويلومونهم على ذلك الفعل الأشنع فصح عندهم عزمهم على إلحاقهم بعثمان رضي الله تعالى عنه وعلموا أن لا قدرة لهم على منعهم إذا هموا بذلك فخرجوا إلى مكة ولاذوا بأم المؤمنين وأخبروها الخبر فقالت لهم: أرى الصلاح أن لا ترجعوا إلى المدينة ما دام أولئك السفلة فيها محيطين بمجلس الأمير علي كرّم الله تعالى وجهه غير قادر على القصاص منهم أو طردهم فأقيموا ببلد تأمنون فيه وانتظروا انتظام أمور أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه وقوة شوكته واسعوا في تفرقهم عنه وإعانته على الانتقام منهم ليكونوا عبرة لمن بعدهم فارتضوا ذلك واستحسنوه فاختاروا البصرة لما أنها كانت إذ ذاك مجمعا لجنود المسلمين ورجحوها على غيرها وألحوا على أمهم رضي الله تعالى عنها أن تكون معهم إلى أن ترتفع الفتنة ويحصل الأمن وتنتظم أمور الخلافة وأرادوا بذلك زيادة احترامهم وقوة أمنيتهم لما أنها أم المؤمنين والزوج المحترمة غاية الاحترام لرسول الله صلّى الله عليه وسلم وأنها كانت أحب أزواجه إليه وأكثرهن قبولا عنده وبنت خليفته الأول رضي الله تعالى عنه فسارت معهم بقصد الإصلاح وانتظام الأمور وحفظ عدة نفوس من كبار الصحابة رضي الله تعالى عنهم وكان معها ابن أختها عبد الله بن الزبير وغيره من أبناء أخواتها أم كلثوم زوج طلحة وأسماء زوج الزبير بل كل من معها بمنزلة الأبناء في المحرمية وكانت في هودج من حديد.