للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحبشة فصنعه عمر رضي الله تعالى عنه، وروي أنه صنع ذلك في جنازة فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ كالتعليل لما أفاده الكلام السابق من التشريف العظيم الذي لم يعهد له نظير، والتعبير بالجملة الاسمية للدلالة على الدوام والاستمرار، وذكر أن الجملة تفيد الدوام نظرا إلى صدرها من حيث إنها جملة اسمية وتفيد التجدد نظرا إلى عجزها من حيث إنها جملة فعلية فيكون مفادها استمرار الصلاة وتجددها وقتا فوقتا، وتأكيدها بأن للاعتناء بشأن الخبر، وقيل لوقوعها في جواب سؤال مقدر هو ما سبب هذا التشريف العظيم؟ وعبر بالنبي دون اسمه صلّى الله عليه وسلم على خلاف الغالب في حكايته تعالى عن أنبيائه عليهم السّلام إشعارا بما اختص به صلّى الله عليه وسلم من مزيد الفخامة والكرامة وعلو القدر، وأكد ذلك الإشعار بأل التي للغلبة إشارة إلى أنه صلّى الله عليه وسلم المعروف الحقيق بهذا الوصف، وقال بعض الأجلة: إن ذاك للإشعار بعلة الحكم، ولم يعبر بالرسول بدله ليوافق ما قبله من قوله تعالى: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ لأن الرسالة أفضل من النبوة على الصحيح الذي عليه الجمهور خلافا للعز بن عبد السلام فتعليق الحكم بها لا يفيد قوة استحقاقه عليه الصلاة والسلام للصلاة بخلاف تعليقه بما هو دونها مع وجودها فيه وهو معنى دقيق لا يتسارع إلى الاعتراض عليه، وإضافة الملائكة للاستغراق.

وقيل: مَلائِكَتَهُ ولم يقل الملائكة إشارة إلى عظيم قدرهم ومزيد شرفهم بإضافتهم إلى الله تعالى وذلك مستلزم لتعظيمه صلّى الله عليه وسلم بما يصل إليه منهم من حيث إن العظيم لا يصدر منه إلا عظيم، ثم فيه التنبيه على كثرتهم وأن الصلاة من هذا الجمع الكثير الذي لا يحيط بمنتهاه غير خالقه واصلة إليه صلّى الله عليه وسلم على ممر الأيام والدهور مع تجددها كل وقت وحين، وهذا أبلغ تعظيم وأنهاه وأشمله وأكمله وأزكاه.

واختلفوا في معنى الصلاة من الله تعالى وملائكته عليهم السلام على نبيه صلّى الله عليه وسلم على أقوال فقيل: هي منه عزّ وجلّ ثناؤه عليه عند ملائكته وتعظيمه، ورواه البخاري عن أبي العالية وغيره عن الربيع بن أنس وجرى عليه الحليمي في شعب الإيمان، وتعظيمه تعالى إياه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء العمل بشريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وإجزال أجره ومثوبته وإبداء فضله للأولين والآخرين بالمقام المحمود وتقديمه على كافة المقربين الشهود، وتفسيرها بذلك لا ينافي عطف غيره كالآل والأصحاب عليه لأن تعظيم كل أحد بحسب ما يليق به، وهي من الملائكة الدعاء له عليه الصلاة والسلام على ما رواه عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي العالية، وقيل: هي منه تعالى رحمته عزّ وجلّ، ونقله الترمذي عن الثوري وغير واحد من أهل العلم ونقل عن أبي العالية أيضا، وعن الضحّاك وجرى عليه المبرد وابن الأعرابي والإمام الماوردي وقال: إن ذلك أظهر الوجوه.

واعترض بما مر عند الكلام في قوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ [الأحزاب: ٤٣] والجواب هو الجواب، وبأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم سألوا كما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى لما نزلت عن كيفية الصلاة فلو لم يكونوا فهموا المغايرة بينها وبين الرحمة ما سألوا عن كيفيتها مع كونهم علموا الدعاء بالرحمة في التشهد.

وأجيب بأنها رحمة خاصة فسألوا عن الكيفية ليحيطوا علما بذلك الخصوص، وهي من الملائكة كما سمعت أولا، ويلزم على هذا وذلك استعمال اللفظ في معنيين ولا يجوزه كثير كالحنفية، والقائلون بأحد القولين الذين لا يجوزون الاستعمال المذكور اختلفوا في التقصي عن ذلك في الآية فقال بعضهم: في الآية حذف والأصل إن الله يصلي وملائكته يصلون فيكون قد أدى كل معنى بلفظ، وقال آخر: تعدد الفاعل صير الفعل كالمتعدد، وقال صدر الشريعة ويجوز أن يكون المعنى واحدا حقيقيا وهو الدعاء والمعنى والله تعالى أعلم أنه تعالى يدعو ذاته والملائكة بإيصال الخير وذلك في حقه تعالى بالرحمة وفي حق الملائكة بالاستغفار، وفيه دغدغة لا تخفى، وقال جمع من المحققين:

يتقصى عن ذلك بعموم المجاز فيراد معنى مجازي عام يكون كل من المعاني فردا حقيقيا له وهو الاعتناء بما فيه خيره

<<  <  ج: ص:  >  >>