للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلّى الله عليه وسلم وصلاح أمره وإظهار شرفه وتعظيم شأنه أو الترحم والانعطاف المعنوي.

وقال بعض الأجلة: إن معنى الصلاة يختلف باعتبار حال المصلي والمصلّى له والمصلّى عليه، والأولى أنها موضوعة هنا للقدر المشترك وهو الاعتناء بالمصلّى عليه أو إرادة وصول الخير، وقال آخر: الصواب أن الصلاة لغة بمعنى واحد وهو العطف ثم هو بالنسبة إليه تعالى الرحمة وإلى الملائكة عليهم السّلام الاستغفار وإلى الآدميين الدعاء.

وتعقب بأن العطف بمعناه الحقيقي مستحيل عليه تعالى فيلزم من اعتباره مسندا إليه تعالى وإلى الملائكة عليهم السّلام ما يلزم. وأجيب بأنا لا نسلم الاستحالة إلا إذا كان العطف في الغائب كالعطف في الشاهد لا يتحقق إلا بقلب ونحوه من صفات الأجسام المستحيلة عليه سبحانه، ونحن من وراء المنع فكثير مما في الشاهد شيء وهو في الله تعالى وراء ذلك ويسند إليه سبحانه على الحقيقة كالسمع والبصر وكذا الإرادة.

وقد ذهب السلف إلى عدم تأويل الرحمة فيه تعالى بأحد التأويلين المشهورين مع أنها في الشاهد لا تتحقق إلا بما يستحيل عليه تعالى ولو أوجب ذلك التأويل لم يبق بأيدينا غير محتاج إليه إلا قليل، وقد تقدم ما يتعلق بهذا المطلب في غير موضع من هذا الكتاب، وقد يختار أن الصلاة هنا تعظيم لشأنه صلّى الله عليه وسلم يقارنه عطف لائق به تعالى وبملائكته، وإذا انسحبت عليه عليه الصلاة والسّلام وعلى أحد من المؤمنين تعلقت بكل حسبما يليق به، وجمع الله سبحانه والملائكة في ضمير واحد لا ينافي

قوله عليه الصلاة والسّلام لمن قال: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى «بئس خطيب القوم أنت قل ومن يعص الله ورسوله»

لأن ذلك منه تعالى محض تشريف للملائكة عليهم السّلام لا يتوهم منه نقص ولذا قيل إذا صدر مثله عن معصوم قيل كما في

قوله صلّى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما»

وقال بعضهم: لا بأس بذلك مطلقا، وذم الخطيب لأنه وقف على يعصهما وسكت سكتة واستدل بخبر لأبي داود، وقيل يقبح إذا كان في جملتين كما في كلام الخطيب ولا يقبح إذا كان في واحدة كما في الآية وكلام الحبيب عليه الصلاة والسّلام وفيه بحث. وقرأ ابن عباس وعبد الوارث عن أبي عمرو «وملائكته» بالرفع فعند الكوفيين غير الفراء هو عطف على محل إن واسمها، والفراء يشترط في العطف على ذلك خفاء إعراب اسم إن كما في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ [المائدة: ٦٩] وكما في قول الشاعر:

ومن يك أمسى في المدينة رحله ... فإني وقيار بها لغريب

وهل خفاء الإعراب شامل للاسم المقصور والمضاف للياء أو خاص بالمبني فيه خلاف، وعند البصريين والفراء هو مبتدأ وجملة يُصَلُّونَ خبره وخبر إن محذوف ثقة بدلالة ما بعد عليه أي إن الله يصلي وملائكته يصلون يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ أي عظموا شأنه عاطفين عليه فإنكم أولى بذلك. وظاهر سوق الآية أنه لإيجاب اقتدائنا به تعالى فيناسب اتحاد المعنى مع اتحاد اللفظ، وقراءة ابن مسعود صلوا عليه كما صلّى عليه وكذا قراءة الحسن فصلوا عليه أظهر فيما ذكر فيبعد تفسير صلوا عليه بقولوا: اللهم صلّ على النبي أو نحوه.

ومن فسره بذلك أراد أن المراد بالتعظيم المأمور به ما يكون بهذا اللفظ ونحوه مما يدل على طلب التعظيم لشأنه عليه الصلاة والسّلام من الله عزّ وجلّ لقصور وسع المؤمنين عن أداء حقه عليه الصلاة والسّلام.

وما جاء في الأخبار إرشاد إلى كيفية ذلك وصفته لا أنه تفسير للفظ صلوا، وجاء ذلك على عدة أوجه والجمع ظاهر.

أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والإمام أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي

<<  <  ج: ص:  >  >>