للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشهاب الخفاجي عليه الرحمة: قد لاح لي في ترك تأكيد السلام وتخصيصه بالمؤمنين نكتة سرية وهي أن السلام عليه عليه الصلاة والسلام تسليمه عما يؤذيه فلما جاءت هذه الآية عقيب ذكر ما يؤذي النبي صلّى الله عليه وسلم والأذية إنما هي من البشر وقد صدرت منهم فناسب التخصيص بهم والتأكيد، وربما يقال على بعد في ذلك: إنه يمكن أن يكون سلام الله تعالى وملائكته عليه عليه الصلاة والسلام معلوما للمؤمنين قبل نزول الآية فلم يذكر ويسلمون فيها لذلك وأن كونهم مأمورين بأن يسلموا عليه صلّى الله عليه وسلم كان أيضا معلوما لهم ككيفية السلام ويؤذن بهذه المعلومية ما ورد في عدة أخبار أنهم قالوا عند نزول الآية: يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك وعنوا بذلك على ما قيل ما في التشهد من السلام فلما أخبروا بصلاة الله تعالى وملائكته عليه صلّى الله عليه وسلم في الآية مجردة عن ذكر السلام وأردف ذلك بالأمر بالصلاة كان مظنة عدم الاعتناء بأمر السلام أو أنه نسخ طلبه منهم فأمروا به مؤكدا دفعا لتوهم ذلك والله تعالى أعلم بحقيقة الحلا، والأمر في الآية عند الأكثرين للوجوب بل ذكر بعضهم إجماع الأئمة والعلماء عليه، ودعوى محمد بن جرير الطبري أنه للندب بالإجماع مردودة أو مؤولة بالحمل على ما زاد على مرة واحدة في العمر فقد قال القرطبي المفسر:

لا خلاف في وجوب الصلاة في العمر مرة، وتفصيل الكلام في أمرها بعد إلغاء القول بندبها أن العلماء اختلفوا فيها فقيل: واجبة مرة في العمر ككلمة التوحيد لأن الأمر مطلق لا يقتضي تكرارا والماهية تحصل بمرة وعليه جمهور الأمة منهم أبو حنيفة ومالك وغيرهما، وقيل: واجبة في التشهد مطلقا، وقيل: واجبة في مطلق الصلاة، وتفرد بعض الحنابلة بتعين دعاء الافتتاح بها.

وقيل: يجب الإكثار منها من غير تعيين بعدد وحكي ذلك عن القاضي أبي بكر بن بكير، وقيل: تجب في كل مجلس مرة وإن تكرر ذكره صلّى الله عليه وسلم مرارا، وقيل: تجب في كل دعاء، وقيل: تجب كلما ذكر عليه الصلاة والسلام وبه قال جمع من الحنفية منهم الطحاوي، وعبارته تجب كلما سمع ذكره من غيره أو ذكره بنفسه وجمع من الشافعية منهم الإمام الحليمي والأستاذ أبو إسحاق الاسفرايني والشيخ أبو حامد الإسفرايني. وجمع من المالكية منهم الطرطوشي وابن العربي والفاكهاني وبعض الحنابلة قيل وهو مبني على القول الضعيف في الأصول أن الأمر المطلق يفيد التكرار وليس كذلك بل له أدلة أخرى كالأحاديث التي فيها الدعاء بالرغم والأبعاد والشقاء والوصف بالبخل والجفاء وغير ذلك مما يقتضي الوعيد وهو عند الأكثر من علامات الوجوب. واعترض هذا القول كثيرون بأنه مخالف للإجماع المنعقد قبل قائله إذ لم يعرف عن صحابي ولا تابعي وبأنه يلزم على عمومه أن لا يتفرغ السامع لعبادة أخرى وأنها تجب على المؤذن وسامعه والقارئ المار بذكره والمتلفظ بكلمتي الشهادة وفيه من الحرج ما جاءت الشريعة السمحة بخلافه، وبأن الثناء على الله تعالى كلما ذكر أحق بالوجوب ولم يقولوا به، وبأنه لا يحفظ عن صحابي أنه قال: يا رسول الله صلى الله عليك، وبأن تلك الأحاديث المحتج بها للوجوب خرجت مخرج المبالغة في تأكد ذلك وطلبه وفي حق من اعتاد ترك الصلاة ديدنا.

ويمكن التقصي عن جميع ذلك، أما الأول فلأن القائلين بالوجوب من أئمة النقل فكيف يسعهم خرق الإجماع على أنه لا يكفي في الرد عليهم كونه لم يحفظ عن صحابي أو تابعي وإنما يتم الرد إن حفظ إجماع مصرح بعدم الوجوب كذلك وأني به، وأما الثاني فممنوع بل يمكن التفرغ لعبادات أخر، وأما الثالث فللقائلين بالوجوب التزامه وليس فيه حرج، وأما الرابع فلأن جمعا صرحوا بالوجوب في حقه تعالى أيضا، وأما الخامس فلأنه ورد في عدة طرق عن عدة من الصحابة أنهم لما قالوا: يا رسول الله قالوا: صلى الله عليك، وأما السادس فلأن حمل الأحاديث على ما ذكر لا يكفي إلا مع بيان سنده ولم يبينوه، ثم القائلون بالوجوب كما ذكر أكثرهم على أن ذلك فرض عين على كل

<<  <  ج: ص:  >  >>