فرد فرد وبعضهم على أنه فرض كفاية، واختلفوا أيضا هل يتكرر الوجوب بتكرر ذكره صلّى الله عليه وسلم في المجلس الواحد، وفي بعض شروح الهداية يكفي مرة على الصحيح وقال صاحب المجتبى: يتكرر وفي تكرر ذكر الله تعالى لا يتكرر، وفرق هو وغيره بينهما بما فيه نظر ويمكن الفرق بأن حقوق الله تعالى مبنية على المسامحة والتوسعة وحقوق العباد مبنية على المشاحة والتضييق ما أمكن. والقول بأنها أيضا حق الله تعالى لأمره بها سبحانه ناشئ من عدم فهم المراد بحقه تعالى، وقيل: إنها تجب في القعود آخر الصلاة بين التشهد وسلام التحلل وهذا هو مذهب الشافعي الذي صح عنه، ونقل الأسنوي أن له قولا آخر إنها سنة في الصلاة لم يعتبره أجلة أصحابه ووافقه على ذلك جماعة من الصحابة والتابعين من بعدهم وفقهاء الأمصار، فمن الصحابة ابن مسعود فقد صح عنه أنه قال: يتشهد الرجل في الصلاة ثم يصلي على النبي صلّى الله عليه وسلم ثم يدعو لنفسه، وأبو مسعود البدري وابن عمر فقد صح عنهما أنه لا تكون صلاة إلا بقراءة وتشهد وصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلم فإن نسيت من ذلك شيئا فاسجد سجدتين بعد السلام، ومن التابعين الشعبي فقد صح عنه كنا نعلم التشهد فإذا قال: وأن محمدا عبده ورسوله يحمد ربه ويثني عليه ثم يصلي على النبي صلّى الله عليه وسلم ثم يسأل حاجته.
وأخرج البيهقي عنه من لم يصل على النبي صلّى الله عليه وسلم في التشهد فليعد صلاته أو قال: لا تجزىء صلاته، والإمام أبو جعفر محمد الباقر فقد روى البيهقي عنه نحو ما ذكر عن الشعبي، وصوبه الدارقطني ومحمد بن كعب القرظي ومقاتل بل قال الحافظ ابن حجر: لم أر عن أحد من الصحابة والتابعين التصريح بعدم الوجوب إلا ما نقل عن إبراهيم النخعي وهذا يشعر بأن غيره كان قائلا بالوجوب، ومن فقهاء الأمصار أحمد فإنه جاء عنه روايتان والظاهر أن رواية الوجوب هي الأخيرة فإنه قال: كنت أتهيب ذلك ثم تبينت فإذا الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلم واجبة وإسحاق بن راهويه فقد قال في آخر الروايتين عنه: إذا تركها عمدا بطلت صلاته أو سهوا رجوت أن تجزئه وهو قول عند المالكية اختاره ابن العربي منهم ولعله لازم للقائلين بوجوبها كلما ذكر صلّى الله عليه وسلم لتقدم ذكره في التشهد إلا أن وجوبها بعد التشهد لذلك لا يستلزم كونها شرطا لصحة الصلاة إلا أنه يرد على القائلين بأن الشافعي رضي الله تعالى عنه شذ في قوله بالوجوب، وأما دليله رضي الله تعالى عنه على ذلك فمذكور في الأم. وقد استدل له أصحابه بعدة أحاديث منها الصحيح ومنها الضعيف وألفوا الرسائل في الانتصار له والرد على من شنع عليه كابن جرير وابن المنذر والخطابي والطحاوي وغيرهم، وأنا أرى التشنيع على مثل هذا الإمام شنيعا والتعصب مع قلة التتبع أمرا فظيعا، والكلام في السلام كالكلام في الصلاة.
وقد صرح ابن فارس اللغوي بأنهما سيان في الفرضية لأن كلا منهما مأمور به في الآية والأمر للوجوب حقيقة إلا إذا ورد ما يصرفه عنه. وأفضل الكيفيات في الصلاة عليه صلّى الله عليه وسلم ما علمه رسول الله عليه الصلاة والسلام لأصحابه بعد سؤالهم إياه لأنه لا يختار صلّى الله عليه وسلم لنفسه إلا الأشرف والأفضل، ومن هنا قال النووي في الروضة: لو حلف ليصلين على النبي صلّى الله عليه وسلم أفضل الصلاة لم يبر إلا بتلك الكيفية، ووجهه السبكي بأن من أتى بها فقد صلى الصلاة المطلوبة بيقين وكان له الخير الوارد في أحاديث الصلاة كذلك، ونقل الرافعي عن المروزي أنه يبر بأللهم صل على محمد وآل محمد كلما ذكرك الذاكرون وكلما سها عنه الغافلون، وقال القاضي حسين: طريق البر اللهم صلّ على محمد كما هو أهله ومستحقه، واختار البارزي أن الأفضل اللهم صل على محمد وعلى آل محمد أفضل صلواتك وعدد معلوماتك، وقال الكمال بن الهمام: كلما ذكر من الكيفيات موجود في اللهم صل أبدا أفضل صلواتك على سيدنا عبدك ونبيك ورسولك محمد وآله وسلم عليه تسليما وزده شرفا وتكريما وأنزله المنزل المقرب عندك يوم القيامة، واختار ابن حجر الهيثمي غير ذلك، ونقل ابن عرفة عن ابن عبد السلام أنه لا بدّ في السلام عليه صلّى الله عليه وسلم أن يزيد تسليما كأن يقول: اللهم