صل على محمد وسلم تسليما أو صلى الله تعالى عليه وسلم تسليما، وكأنه أخذ بظاهر ما في الآية وليس أخذا صحيحا كما يظهر بأدنى تأمل، ونقل عن جمع من الصحابة ومن بعدهم أن كيفية الصلاة عليه صلّى الله عليه وسلم لا يوقف فيها مع المنصوص وأن من رزقه الله تعالى بيانا فأبان عن المعاني بالألفاظ الفصيحة المباني الصريحة المعاني مما يعرب عن كمال شرفه صلّى الله عليه وسلم وعظيم حرمته فله ذلك، واحتج له بما أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن ماجة وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: إذا صليتم على النبي صلّى الله عليه وسلم فأحسنوا الصلاة عليه فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه قالوا: فعلمنا؟ قال: قولوا اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك إمام الخير وقائد الخير ورسول الرحمة اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وفي قوله سبحانه:
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً رمز خفي فيما أرى إلى مطلوبية تحسين الصلاة عليه عليه الصلاة والسلام حيث أتى به كلاما يصلح أن يكون شطرا من البحر الكامل فتدبره فإني أظن أنه نفيس، واستدل النووي رحمة الله تعالى بالآية على كراهة أفراد الصلاة عن السلام وعكسه لورود الأمر بهما معا فيها ووافقه على ذلك بعضهم، واعترض بأن أحاديث التعليم تؤذن بتقدم تعليم التسليم على تعليم الصلاة فيكون قد أفرد التسليم مرة قبل الصلاة في التشهد. ورد بأن الإفراد في ذلك الزمن لا حجة فيه لأنه لم يقع منه عليه الصلاة والسلام قصدا كيف والآية ناصة عليهما وإنما يحتمل أنه علمهم السلام وظن أنهم يعلمون الصلاة فسكت عن تعليمهم إياها فلما سألوه أجابهم صلّى الله عليه وسلم لذلك وهو كما ترى، وذكر العلامة ابن حجر الهيتمي أن الحق أن المراد بالكراهة خلاف الأولى إذ لم يوجد مقتضيها من النهي المخصوص.
ونقل الحموي من أصحابنا عن منية المفتي أنه لا يكره عندنا أفراد أحدهما عن الآخر ثم قال نقلا عن العلامة ميرك وهذا الخلاف في حق نبينا صلّى الله عليه وسلم وأما غيره من الأنبياء عليهم السّلام فلا خلاف في عدم كراهة الافراد لأحد من العلماء ومن ادعى ذلك فعليه أن يورد نقلا صريحا ولا يجد إليه سبيلا انتهى.
وصرح بعضهم أن الكراهة عند من يقول بها إنما هي في الافراد لفظا وأما الافراد خطا كما وقع في الأم فلا كراهة فيه، وعندي أن الاستدلال بالآية على كراهة الأفراد حسبما سمعت في غاية الضعف إذ قصارى ما تدل عليه أن كلا من الصلاة والتسليم مأمور به مطلقا ولا تدل على الأمر بالإتيان بهما في زمان واحد كأن يؤتى بهما مجموعين معطوفا أحدهما على الآخر فمن صلى بكرة وسلم عشيا مثلا فقد امتثل الأمر فإنها نظير قوله تعالى: أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ واذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ [الأحزاب: ٤٢] إلى غير ذلك من الأوامر المتعاطفة، نعم درج أكثر السلف على الجمع بينهما فلا أستحسن العدول عنه ما ما في ذكر السلام بعد الصلاة من السلامة من توهم لا يكاد يعرض إلا للأذهان السقيمة كما لا يخفى، وفي دخوله صلّى الله عليه وسلم في الخطاب بيا أيها الذين آمنوا هنا خلاف فقال بعضهم بالدخول، وقد صرح بعض أجلة الشافعية بوجوب الصلاة عليه صلّى الله عليه وسلم في صلاته وذكر أنه صلّى الله عليه وسلم كان يصلي على نفسه خارجها كما هو ظاهر أحاديث كقوله صلّى الله عليه وسلم حين ضلت ناقته وتكلم منافق فيها «إن رجلا من المنافقين شمت أن ضلت ناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلم» وقوله حين عرض على المسلمين رد ما أخذه من أبي العاص زوج ابنته زينب قبل إسلامه «وإن زينب بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم سألتني» الحديث فذكر التصلية والتسليم على نفسه بعد ذكره واحتمال أن ذلك في الحديثين من الراوي بعيد جدا اهـ.
وتوقف بعضهم في دخوله من حيث أن قرينة سياق يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلى هنا