للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظاهرة في اختصاص هذا الحكم بالمؤمنين دونه صلّى الله عليه وسلم، ونظر فيه بأن ما قبل هذه الآية صريح في اختصاصه بالمؤمنين وأما هي فلا قرينة فيها على الاختصاص، وأنت تعلم أن للأصوليين في دخوله صلّى الله عليه وسلم في نحو هذه الصيغة أقوالا، عدمه مطلقا وهو شاذ، ودخوله مطلقا وهو الأصح على ما قال جمع، والدخول إلا فيما صدر بأمره بالتبليغ نحو قل يا أيها الذين آمنوا، وأنا أعول على الدخول إلا إذا أوجدت قرينة على عدم الدخول سواء كانت الأمر بالتبليغ أولا، وهاهنا السباق والسياق قرينتان على عدم الدخول فيما يظهر، وعبر بالذين آمنوا دون الناس الشامل للكفار قيل: إشارة إلى أن الصلاة عليه صلّى الله عليه وسلم من أجلّ الوسائل وأنفعها والكافر لا وسيلة له فلم يؤت بلفظ يشمله، ومخاطبة الكفار بالفروع على القول بها بالنسبة لعقابهم عليها في الآخرة فحسب على أن محل تكليفهم بها حيث أجمع عليها، ومن ثم استثنى من مخاطبتهم بها معاملتهم الفاسدة ونحوها.

ولعل الأولى أن التعبير بذلك لما ذكر مع اقتضاء السياق له، وفي نداء المؤمنين بهذا الأسلوب من حثهم على امتثال الأمر ما لا يخفى، والأمر بالصلاة والتسليم من خواص هذه الأمة فلم تؤمر أمة غيرها بالصلاة والتسليم على نبيها.

وكان ذلك على ما نقل عن أبي ذر الهروي في السنة الثانية من الهجرة، وقيل: كان في ليلة الإسراء، وأنت تعلم أن الآية مدنية، وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد أنها لما نزلت قال أبو بكر: ما أنزل الله عليك خيرا إلا أشركنا فيه فنزلت هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ وحكمة تغاير أسلوبي الآيتين ظاهرة على المتأمل، والصلاة منا على الأنبياء ما عدا نبينا عليه وعليهم الصلاة والسلام جائزة بلا كراهة،

فقد جاء بسند صحيح على ما قاله المجد اللغوي «إذا صليتم علي المرسلين فصلوا علي معهم فإني رسول من المرسلين»

وفي لفظ «إذا سلمتم عليّ فسلموا على المرسلين»

وللأول طريق أخرى إسنادها حسن جيد لكنه مرسل.

وأخرج عبد الرزاق والقاضي إسماعيل وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «صلوا على أنبياء الله ورسله فإن الله تعالى بعثهم كما بعثني»

وهو وإن جاء من طرق ضعيفة يعمل به في مثل هذا المطلب كما لا يخفى. وأما ما حكي عن مالك من أنه لا يصلي على غير نبينا صلّى الله عليه وسلم من الأنبياء فأوله أصحابه بأن معناه إنا لم نتعبد بالصلاة عليهم كما تعبدنا بالصلاة عليه صلّى الله عليه وسلم، والصلاة على الملائكة قيل لا يعرف فيها نص وإنما تؤخذ من حديث أبي هريرة المذكور آنفا إذا ثبت أن الله تعالى سماهم رسلا. وأما الصلاة على غير الأنبياء والملائكة عليهم السّلام فقد اضطربت فيها أقوال العلماء فقيل تجوز مطلقا قال القاضي عياض وعليه عامة أهل العلم واستدل له بقوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ وبما صح من

قوله صلّى الله عليه وسلم: «اللهم صلّ على آل أبي أوفى»

وقوله عليه الصلاة والسلام وقد رفع يديه: «اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة»

وصحح ابن حبان خبر «إن امرأة قالت للنبي صلّى الله عليه وسلم: صلّ عليّ وعلى زوجي ففعل»

وفي خبر مسلم «أن الملائكة تقول لروح المؤمن:

صلى الله عليك وعلى جسدك»

وبه يرد على الخفاجي قوله في شرح الشفاء صلاة الملائكة على الأمة لا تكون إلا بتبعيته صلّى الله عليه وسلم. وقيل لا تجوز مطلقا. وقيل لا تجوز استقلالا وتجوز تبعا فيما ورد فيه النص كالآل أو ألحق به كالأصحاب. واختاره القرطبي وغيره وقيل تجوز تبعا مطلقا ولا تجوز استقلالا ونسب إلى أبي حنيفة وجمع. وفي تنوير الأبصار ولا يصلي على غير الأنبياء والملائكة إلا بطريق التبع وهو محتمل لكراهة الصلاة بدون تبع تحريما ولكراهتها تنزيها ولكونها خلاف الأولى لكن ذكر البيري من الحنفية من صلى على غيرهم إثم وكره وهو الصحيح.

وفي رواية عن أحمد كراهة ذلك استقلالا. ومذهب الشافعية أنه خلاف الأولى وقال اللقاني: قال القاضي عياض الذي

<<  <  ج: ص:  >  >>