ذهب إليه المحققون وأميل إليه ما قاله مالك وسفيان واختاره غير واحد من الفقهاء والمتكلمين أنه يجب تخصيص النبي صلّى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء بالصلاة والتسليم كما يختص الله سبحانه عند ذكره بالتقديس والتنزيه ويذكر من سواهم بالغفران والرضا كما قال تعالى: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [التوبة: ١٠٠] يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ [الحشر: ١٠] وأيضا فهو أمر لم يكن معروفا في الصدر الأول وإنما أحدثه الرافضة في بعض الأئمة والتشبه بأهل البدع منهى عنه فتجب مخالفتهم انتهى. ولا يخفى أن كراهة التشبه بأهل البدع مقررة عندنا أيضا لكن لا مطلقا بل في المذموم وفيما قصد به التشبه بهم فلا تغفل. وجاء عن عمر بن عبد العزيز بسند حسن أو صحيح أنه كتب لعامله إن ناسا من القصاص قد أحدثوا في الصلاة على حلفائهم ومواليهم عدل صلاتهم على النبي صلّى الله عليه وسلم فإذا جاءك كتابي هذا فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين خاصة ودعاؤهم للمسلمين عامة ويدعوا ما سوى ذلك.
وصح عن ابن عباس أنه قال: لا تنبغي الصلاة من أحد على أحد إلا على النبي صلّى الله عليه وسلم.
وفي رواية عنه ما أعلم الصلاة تنبغي على أحد من أحد إلا على النبي صلّى الله عليه وسلم ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالاستغفار، وكلاهما يحتمل الكراهة والحرمة. واستدل المانعون بأن لفظ الصلاة صار شعارا لعظم الأنبياء وتوقيرهم فلا تقال لغيرهم استقلالا وإن صح كما لا يقال محمد عزّ وجلّ وإن كان عليه الصلاة والسلام عزيزا جليلا لأن هذا الثناء صار شعارا لله تعالى فلا يشارك فيه غيره. وأجابوا عما مر بأنه صدر من الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام.
ولهما أن يخصا من شاءا بما شاءا وليس ذلك لغيرهما إلا بإذنهما ولم يثبت عنهما إذن في ذلك. ومن ثم قال أبو اليمن ابن عساكر له صلّى الله عليه وسلم أن يصلي على غيره مطلقا لأنه حقه ومنصبه فله التصرف فيه كيف شاء بخلاف أمته إذ ليس لهم أن يؤثروا غيره بما هو له لكن نازع فيه صاحب المعتمد من الشافعية بأنه لا دليل على الخصوصية. وحمل البيهقي القول بالمنع على ما إذا جعل ذلك تعظيما وتحية وبالجواز عليها إذا كان دعاء وتبركا، واختار بعض الحنابلة أن الصلاة على الآل مشروعة تبعا وجائزة استقلالا وعلى الملائكة وأهل الطاعة عموما جائزة أيضا وعلى معين شخص أو جماعة مكروهة ولو قيل بتحريمها لم يبعد سيما إذا جعل ذلك شعارا له وحده دون مساويه ومن هو خير منه كما تفعل الرافضة بعلي كرّم الله تعالى وجهه ولا بأس بها أحيانا كما صلى عليه الصلاة والسلام على المرأة وزوجها وكما صلى عليه الصلاة والسلام على علي وعمر رضي الله تعالى عنهما لما دخل عليه وهو مسجى ثم قال: وبهذا التفصيل تتفق الأدلة، وأنت تعلم اتفاقها بغير ما ذكر. والسلام عند كثير فيما ذكر وفي شرح الجوهرة للقاني نقلا عن الإمام الجويني أنه في معنى الصلاة فلا يستعلم في الغائب ولا يفرد به غير الأنبياء عليهم السّلام فلا يقال علي عليه السّلام بل يقال رضي الله تعالى عنه. وسواء في هذا الأحياء والأموات إلا في الحاضر فيقال السّلام أو سلام عليك أو عليكم وهذا مجمع عليه انتهى. وفي حكاية الإجماع على ذلك نظر.
وفي الدر المنضود السّلام كالصلاة فيما ذكر إلا إذا كان لحاضر أو تحية لحي غائب، وفرق آخرون بأنه يشرع في حق كل مؤمن بخلاف الصلاة، وهو فرق بالمدعي فلا يقبل، ولا شاهد في السّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين لأنه وارد في محل مخصوص وليس غيره في معناه على أن ما فيه وقع تبعا لا استقلالا.
وحقق بعضهم فقال ما حاصله مع زيادة عليه السّلام الذي يعم الحي والميت هو الذي يقصد به التحية كالسلام عند تلاق أو زيارة قبر وهو مستدع للرد وجوب كفاية أو عين بنفسه في الحاضر ورسوله أو كتابه في الغائب، وأما السّلام الذي يقصد به الدعاء منا بالتسليم من الله تعالى على المدعو له سواء كان بلفظ غيبة أو حضور فهذا هو الذي اختص به صلّى الله عليه وسلم عن الأمة فلا يسلم على غيره منهم إلا تبعا كما أشار إليه التقى السبكي في شفاء الغرام، وحينئذ فقد