كان مصلى آل داود لم يخل من قائم يصلي ليلا ونهارا وكانوا يتناوبونه وكان سليمان عليه السّلام يأكل خبز الشعير ويطعم أهله خشادته، والمساكين الدرمك وهو الدقيق الحواري وما شبع قط، وقيل: له في ذلك فقال: أخاف إذا شبعت أن أنسى الجياع، وجوز بعض الأفاضل دخول داود عليه السّلام في الآل هنا لأن آل الرجل قد يعمه.
ويؤيده ما
أخرجه أحمد في الزهد: وابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان عن المغيرة بن عتيبة قال: قال داود عليه السّلام يا رب هل بات أحد من خلقك أطول ذكرا مني فأوحى الله تعالى إليه الضفدع وأنزل سبحانه عليه عليه السّلام اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً فقال داود عليه السّلام كيف أطيق شكرك وأنت الذي تنعم عليّ ثم ترزقني على النعمة الشكر فالنعمة منك والشكر منك فكيف أطيق شكرك؟ فقال جل وعلا: يا داود الآن عرفتني حق معرفتي.
وجاء في رواية ابن أبي حاتم عن الفضيل أنه عليه السّلام قال يا رب: كيف أشكرك والشكر نعمة منك؟ قال سبحانه: الآن شكرتني حين علمت النعم مني
، وكذا ما
أخرجه الفريابي: وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: قال داود لسليمان عليهما السّلام: قد ذكر الله تعالى الشكر فاكفني قيام النار أكفك قيام الليل قال: لا أستطيع قال: فأكفني صلاة النهار فكفاه
وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ قال ابن عباس: هو الذي يشكر على أحواله كلها، وفي الكشاف هو المتوفر على أداء الشكر الباذل وسعه فيه قد شغل به قلبه ولسانه وجوارحه اعترافا واعتقادا وكدحا وأكثر أوقاته، وقال السدي هو من يشكر على الشكر، وقيل: من يرى عجزه عن الشكر لأن توفيقه للشكر نعمة يستدعي شكرا آخر لا إلى نهاية، وقد نظم هذا بعضهم فقال:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة ... علي له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله ... وإن طالت الأيام واتسع العمر
إذا مس بالنعماء عم سرورها ... وإن مس بالضراء أعقبها الأجر
وقد سمعت آنفا ما روي عن داود عليه السّلام، وهذه الجملة يحتمل أن تكون داخلة في خطاب آل داود وهو الظاهر وأن تكون جملة مستقلة جيء بها إخبارا لنبينا صلّى الله عليه وسلم وفيها تنبيه وتحريض على الشكر.
وقرأ حمزة «عبادي» بسكون الياء وفتحها الباقون فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ قيل أي أوقعنا على سليمان الموت حاكمين به عليه، وفي مجمع البيان أي حكمنا عليه بالموت، وقيل: أوجبناه عليه، وفي البحر أي أنفذنا عليه ما قضينا عليه في الأزل من الموت وأخرجناه إلى حيز الوجود، وفيه تكلف، وأيا ما كان فليس المراد بالقضاء أخا القدر فتدبر، ولما شرطية ما بعدها شرطها وجوابها قوله تعالى: ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ واستدل بذلك على حرفيتها وفيه نظر، وضمير دَلَّهُمْ عائد على الجن الذين كانوا يعملون له عليه السّلام، وقيل: عائد على آل سليمان، ويأباه بحسب الظاهر قوله تعالى بعد تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ والمراد بدابة الأرض الأرضة بفتحات وهي دويبة تأكل الخشب ونحوه وتسمى سرفة بضم السين وإسكان الراء المهملة وبالفاء، وفي حياة الحيوان عن ابن السكيت إنها دويبة سوداء الرأس وسائرها أحمر تتخذ لنفسها بيتا مربعا من دقاق العيدان تضم بعضها إلى بعض بلعابها ثم تدخل فيه وتموت، وفي المثل أصنع من سرفة وسماها في البحر بسوسة الخشب، والأرض على ما ذهب إليه أبو حاتم وجماعة مصدر أرضت الدابة الخشب تأرضه إذا أكلته من باب ضرب يضرب فإضافة دَابَّةُ إليه من إضافة الشيء إلى فعله، ويؤيد ذلك قراءة ابن عباس والعباس بن الفضل الْأَرْضِ بفتح الراء لأنه مصدر أرض من باب علم المطاوع لأرض من باب ضرب يقال أرضت الدابة الخشب بالفتح فأرض بالكسر كما يقال أكلت القوادح الأسنان أكلا فأكلت أكلا فالأرض بالسكون الأكل والأرض بالفتح التأثر من ذلك الفعل.